مَغاني الشَعبِ طِيبًا في المَغاني - أبو الطيب المتنبي

مَغاني الشَعبِ طِيبًا في المَغاني "
" بِمَنزِلَةِ الرَبيعِ مِنَ الزَمانِ

وَلَكِنَّ الفَتى العَرَبِيَّ فيها "
" غَريبُ الوَجهِ وَاليَدِ وَاللِسانِ

مَلاعِبُ جِنَّةٍ لَو سارَ فيها "
" سُلَيمانٌ لَسارَ بِتَرجُمانِ

طَبَتْ فُرسانَنا وَالخَيلَ حَتّى "
" خَشيتُ وَإِن كَرُمنَ مِنَ الحِرانِ

غَدَونا تَنفُضُ الأَغصانُ فيها "
" عَلى أَعرافِها مِثلَ الجُمانِ

فَسِرتُ وَقَد حَجَبنَ الشَمسَ عَنّي "
" وَجِئنَ مِنَ الضِياءِ بِما كَفاني

وَأَلقى الشَرقُ مِنها في ثِيابي "
" دَنانيرًا تَفِرُّ مِنَ البَنانِ

لَها ثَمَرٌ تُشيرُ إِلَيكَ مِنهُ "
" بِأَشرِبَةٍ وَقَفنَ بِلا أَواني

وَأَمواهٌ يصِلُّ بِها حَصاها "
" صَليلَ الحَليِ في أَيدي الغَواني

وَلَو كانَت دِمَشقَ ثَنى عِناني "
" لَبيقُ الثُردِ صينِيُّ الجِفانِ

يَلَنجوجِيُّ ما رُفِعَت لِضَيفٍ "
" بِهِ النيرانُ نَدِّيُّ الدُخانِ

تَحِلُّ بِهِ عَلى قَلبٍ شُجاعٍ "
" وَتَرحَلُ مِنهُ عَن قَلبٍ جَبانِ

مَنازِلُ لَم يَزَل مِنها خَيالٌ "
" يُشَيِّعُني إِلى النَّوْبَنْدَجانِ

إِذا غَنّى الحَمامُ الوُرقُ فيها "
" أَجابَتهُ أَغانِيُّ القِيانِ

وَمَن بِالشِعبِ أَحوَجُ مِن حَمامٍ "
" إِذا غَنّى وَناحَ إِلى البَيانِ

وَقَد يَتَقارَبُ الوَصفانِ جِدًّا "
" وَمَوصوفاهُما مُتَباعِدانِ

يَقولُ بِشِعبِ بَوّانٍ حِصاني "
" أَعَن هَذا يُسارُ إِلى الطِعانِ

أَبوكُمُ آدَمٌ سَنَّ المَعاصي "
" وَعَلَّمَكُمْ مُفارَقَةَ الجِنانِ

فَقُلتُ إِذا رَأَيتُ أَبا شُجاعٍ "
" سَلَوتُ عَنِ العِبادِ وَذا المَكانِ

فَإِنَّ الناسَ وَالدُنيا طَريقٌ "
" إِلى مَن ما لَهُ في الناسِ ثانِ

لَقَد عَلَّمتُ نَفسي القَولَ فيهِمْ "
" كَتَعليمِ الطِّرادِ بِلا سِنانِ

بِعَضدِ الدَولَةِ امتَنَعَتْ وَعَزَّتْ "
" وَلَيسَ لِغَيرِ ذي عَضُدٍ يَدانِ

وَلا قَبْضٌ عَلى البيضِ المَواضي "
" وَلا حَظٌّ مِنَ السُمرِ اللِدانِ

دَعَتهُ بِمَفزَعِ الأَعضاءِ مِنها "
" لِيَومِ الحَربِ بِكرٍ أَو عَوانِ

فَما يُسْمِي كَفَنّاخُسرَ مُسمٍ "
" وَلا يُكَني كَفَنّاخُسرَ كاني

وَلا تُحصى فَضائِلُهُ بِظَنِّ "
" وَلا الإِخبارُ عَنهُ وَلا العِيانِ

أُروضُ الناسِ مِن تُربٍ وَخَوفٍ "
" وَأَرضُ أَبي شُجاعٍ مِن أَمانِ

تُذِمُّ عَلى اللُصوصِ لِكُلِّ تَجْرٍ "
" وَتَضمَنُ لِلصَوارِمِ كُلَّ جاني

إِذا طَلَبَت وَدائِعُهُمْ ثِقاتٍ "
" دُفِعنَ إِلى المَحاني وَالرِعانِ

فَباتَت فَوقَهُنَّ بِلا صِحابٍ "
" تَصيحُ بِمَن يَمُرُّ أَما تَراني

رُقاهُ كُلُّ أَبيَضَ مَشرَفِيٍّ "
" لِكُلِّ أَصَمَّ صِلٍّ أُفعُوانِ

وَما يَرقى لُهاهُ مِن نَداهُ "
" وَلا المالُ الكَريمُ مِنَ الهَوانِ

حَمى أَطرافَ فارِسَ شَمَّرِيٌّ "
" يَحُضُّ عَلى التَباقي بِالتَفاني

بِضَربٍ هاجَ أَطرابَ المَنايا "
" سِوى ضَربِ المَثالِثِ وَالمَثاني

كَأَنَّ دَمَ الجَماجِمِ في العَناصي "
" كَسا البُلدانَ ريشَ الحَيقُطانِ

فَلَو طُرِحَت قُلوبُ العِشقِ فيها "
" لَما خافَْت مِنَ الحَدَقِ الحِسانِ

وَلَم أَرَ قُبلَهُ شِبلَي هِزَبرٍ "
" كَشِبلَيهِ وَلا مُهرَيْ رِهانِ

أَشَدَّ تَنازُعًا لِكَريمِ أَصلٍ "
" وَأَشبَهُ مَنظَرًا بِأَبٍ هِجانِ

وَأَكثَرَ في مَجالِسِهِ استِماعًا "
" فُلانٌ دَقَّ رُمحًا في فُلانِ

فَأَوَّلُ دايةٍ رَأيا المَعالي "
" فَقَد عَلِقا بِها قَبلَ الأَوانِ

فأَوَّلُ لَفظَةٍ فَهِما وَقالا "
" إِغاثَةُ صارِخٍ أَو فَكُّ عانِ

وَكُنتَ الشَمسَ تَبهَرُ كُلَّ عَينٍ "
" فَكَيفَ وَقَد بَدَت مَعَها اثنَتانِ

فَعاشا عيشَةَ القَمَرَينِ يُحْيَا "
" بِضَوئهِما وَلا يَتَحاسَدانِ

وَلا مَلَكا سِوى مُلكِ الأَعادي "
" وَلا وَرِثا سِوى مَن يَقتُلانِ

وَكانَ ابنا عَدوٍّ كاثَراهُ "
" لَهُ ياءَيْ حُروفِ أُنَيسِيانِ

دُعاءٌ كَالثَناءِ بِلا رِثاءٍ "
" يُؤَدّيهِ الجَنانُ إِلى الجَنانِ

فَقَد أَصبَحتُ مِنهُ في فِرِندٍ "
" وَأَصبَحَ مِنكَ في عَضبٍ يَمانِ

وَلَولا كَونُكُمْ في الناسِ كانوا "
" هُراءً كَالكَلامِ بِلا مَعاني

© 2024 - موقع الشعر