عصفور الدم - محمد الفيتوري

كان ثمة كف رمادية،
تتدلى من السقف..
حاملة قمرا ميتا..
وطيور من النار، تنقر لؤلؤة الليل..
كان قلبي آجرة من دم
ثقوبها.. فسألت نجوما مضرجة..
عبر أقنية الليل..
أيتها اللانهائية البعد..
يا من تظلين مثل زهور السموات
غارقة في دموعي طالعة في يدي
أو هذي طقوسك أنت؟
يوت المحب على درج الشوق
دون الصعود إليك..
ويصبح أغنية أو صلاة
يتوهج في الموت..
أو يتوحد في العشق..
أو تستطيل سراديب غربته..
فهو في سجن غربته.. بطل أواله..
***
وتداخلت في شجر الكلمات الحزينة بيني وبينك..
كانت خيام المجوس. ونار معابدهم
تتعانق في طرقات المدينة..
والعصر رب عجوز..
يرقع أشلاء تاريخه
وبيارق عاصفة..
والعيون التي أطفأتها المهانة
تحلم بالنصر، فوق رماد مضاجعها..
وتغازل من شرفات المخادع
جندرمة الطائفية،
وهي تحاول أن تسجن الريح في صدف البحر..
أن تحجب الأرض بالقبعات..
وأن تذبح الماء في النهر..
والنهر أذرعة الفقراء، وميراث أجيالهم..
وبنادقهم.. وأناشيد أطفالهم
وهو طين الحقول، التي احتضنت
خصبها زمنا
وحديد المصانع
وهو هذا الدم العربي..
الذي يتدفق عطشان
من فجوات الجراح
إلى فجوات الشوارع
***
كم هي موحشة هذه الردهة الزمنية..
تصهل في جانبيها خيول البحار التي احترقت
وتدور وجوه الكوابيس
كم هي موحشة هذه الأرض دونك..
أحملها صخرة فوق ظهري
وأعدو بها في مدارك كالطفل..
ها أنت ذي تومئين.. وتنتظرين..
وها أنذا أتعمد باسمك في كل ثانية
يقتلوني، وأولد..
حيث تضئ ذراع مقاتلة
فوق قنبلة
أو تطأطئ هامة طاغية
تحت خنجر ثائر..
يسجنوني..
وأنبتت شمسا على حائط السجن..
أو يشنقوني..
وأجعل من حبل مشنقتي، سلما نحو وجهك..
وجهك هذا النبي الفدائي
هذا الإله العظيم المهاجر.
وتغصين بالصمت خائفة..
فالطوائف تطبع أختامها في جلود القرابين..
يا كل شعبي
الجريمة والعدل وجهان..
والشمس ترحل في البحر..
لكننا سوف نبني توابيتهم
ذات يوم
وسنرسم فوق شواهدها..
شارة الثورة العربية..
والنصر..
***
وتظلين خائفة..
فالضحايا تسير صفوفا إلى ساحة الذبح..
يعلم كل الغزاة الذين هم الآن..
مضطجعون هنا
تحت أقدامنا
ويعلم أحفادهم
أن آخر ساعاتهم-
حين تكمل عصفورة الدم
في هذه الأرض دورتها
حول دائرة الجرح..
بيروت 1975
© 2024 - موقع الشعر