أم عصام - عبدالرحمن العشماوي

لم تنم أم عصام
 
لم تنم..
 
لم تنم لكنها شدت حزام الأمن بالله وطارت للقمم
 
رسمت خارطة المجد على راحتها اليمنى..
 
وسارت في شمم
 
لم تنم..
 
فالليل مهراق على بوابة الإيمان في القلب الأشم
 
لم تنم..
 
كانت على متن صفاء الروح تدعو الله أن يصرف عنها من ظلم
 
لم تنم أم عصام
 
حينما داهمها الليل بجيش من ألم
 
لم تنم
 
كيف تنام العين والدار بلاسقف..
 
وباب الدار مصبوغ بدم
 
***
 
لم تزل تذكر ليلاً كان ميمون الطلائع
 
حين كانت في مناجاة مع الزوج..
 
ووجه البدر ساطع
 
كل شيء كان عذباً، وظلام الليل رائع
 
همسات الحُب كانت..
 
 
تسكب اللهفة في إصغاء سامع
 
كان ليلاً ساهراً، والكوكب الدّريُّ طالع
 
لم تزل تذكر إشراق العبارات الجميلة
 
كان ليلاً حالماً كالطفلة السمراء..
 
حسناء الجديلهْ
 
كان يسقي الظامىء والشاكي
 
ولا يشفي غليله
 
لم تزل تذكر كيف اهتزت الجدران من قصف المدافع
 
وأفاق البيت مذعوراً على أقسى الفظائع
 
جارها الطيب مات
 
خلَُّف الزوجة والأم وطفلاً وبنات
 
وبقايا صور تحمل أغلى الذكريات
 
قتل الليل على مذبح أنذال اليهود
 
ومضى في لحظة خاطفة ما لايعود
 
كان هذا قبل أعوام وقبل السير في وحل السلام
 
حين كانت عنكبوت الوهم في خوف فلم تنسج خيوطاً من ظلام
 
مرت الأيام وامتدت أباطيل السلام
 
فزعت أم عصام
 
ماالذي يجري
 
وضاع المركب المشؤوم في وسط الزحام
 
 
***
ويلهم.. كيف يريدون سلاماً من لئام
 
ويلهم.. لن يجدوا في آخر الدرب سوى وخز السهام
 
مرت الأيام حبلى بالمآسي
 
سئمت لعبة السلم وتبديل الكراسي
 
مركب خاض بحار الوهم لم يفرح بتقبيل المراسي
 
هدم البيت الذي أنشىء من غير أساس
 
هاهنا أم عصام ترصد الفجر الذي كان يلوح
 
وترى إشراقة النصر على تلك السفوح
 
وترى في جبهة الأقصى تباشير الفتوح
 
 
هاهنا أم عصام ذات عزم وحياء
 
سافرت بالروح في أجمل أفق وفضاء
 
في سجود.. صعدت نحو السماء
 
رفعت جبهتها في كبرياء
 
خاضت البحر ولكن لم تسر نحو الغثاء
 
وجهها كالبدر لكن .. لا يراه الخبثاء
 
فقدت بالأمس طفلاً..
 
كان يرمي حجر العزة صوب الأدعياء
 
ودعت من قبل أسبوع أبا الطفل وداع العظماء
 
ودعت من قبل عامين..
 
أخاً واجه جيش الدخلاء
 
وعلى بوابة المجد..
 
رأت وجه أبيها قبل أعوام كشلاّل ضياء
 
كان عيداً حينما انضم لركب الشهداء
 
كان يوماً باسماً بالرغم من حزن الفراق
 
كان يوماً حافلاً يوحي بمعنى الانطلاق
 
صرخت أم عصام في صمود واعتداد:
 
هاهنا...
 
تنطفئُ الأضواء من حولي..
 
سوى ضوء الرشاد
 
تسكن الأصوات لايبقى سوى صوت الجهاد..
© 2024 - موقع الشعر