رمضانُ شهرُ الرحمةِ والغفران ـ أشرف الصباغ

للكتاب: أشرف الصباغ،


رمضانُ شهرُ الرَّحمةِ والغُفْرَان .
قالَ اللهُ تباركتْ أسماؤُه:(شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ).
رمضانُ شهرُ الرِّضوان، فيه نَفَحاتُ الخَيْر، تَدفعُ الضَّيْر، وأوقاتُ الطاعةِ فيه بَاسِقَة، وسِهَامُ المَظلومِ في الظالمِ رَاشِقَة، فَطُوبَى لِمَن كَان فِيه ذَا وَجْهٍ نَيِّر، وخُلُقٍ خَيِّر، تَلْقاهُ بالبِشْرِ مُتَبَسِّما، ويُشَارِكُ في الخيرِ مُقَسِّما، ويجعلُ القرآنَ أَنِيسَهُ مُرتِّلا، وَيذْرِفُ الدُّموعِ من الخُشوعِ مُتَبَتِّلا، فلَمْ يَزَلْ لآياتهِ يقرأُ ويَسْمَع، ولا يَبْرَحُ رِحَابَ ربِّهِ وفي عَفْوِهِ يَطمَع، تَرَاهُ حِينَ تَرَاهُ في الصِّيام عاليَ الهِمَّةِ والمكانَة، قويَّ العَزْمِ في القيَامِ مِنْ دُون اسْتِكَانة .
رمضانُ شهرٌ أَكْرِمْ بِهِ مِنْ شَهْر! يَجُودُ بالخيْرِ كما يَجُودُ البَحر، وتحيطُ به الفَضَائِلُ كما تُحيطُ القَلائدُ بالنَّحْر، تُشْرقُ النفوسُ لِقُدُومِهِ فتذوقَ حَلاوةَ الطاعةِ واللَّذة، وتسمو فِيهِ روحُ العبدِ فتنالَ بالذلِّ لربِّها كَمَالَ العزَّة، حتى يُصْبِحَ العبدُ مَحْبُورَ المُهْجَة، مَسرُورَ البَهْجَة .
رمضانُ شهرٌ لِلْمَسَاجِدِ فِيه عِمَارَة، ولكُنُوزِ الخَيرِ مَنارَة، أَوْقَاتُه في الفَضْلِ مُخْتَارَة، تُحَقِّقُ للقَلِب الطَّهَارَة، ولِقَبُولِ الطَّاعَةِ فِيه إشَارَةٌ، ولإدْرَاك ليلةِ القَدْرِ أَمَارَة .
رمضانُ شهرُ تَزْكِيَةِ وِجْدَانِ الأنَام، بَدْرُهُ تَمَام، ونَهَارُه صِيَام، ولَيْلُه قِيَام، وزَكَاتُه طَعَام، وتَحِيَّتُه سَلام، وقَدْرُه إِمَام، وسَمْتُه احْتِرَام، وأَهْلُه كِرَام، ومِسْكُه خِتَام، وخَاسِرُه مُلام .
رمضانُ شهرُ نَجَاةٍ مِن التَّلْبِيس، فكمْ مِن عبدٍ بَئِيسٍ، مَحْرُومٍ تَعِيس، عَمَلُهُ خَسِيس، لِنَفْسِهِ حَبِيس، لِهُمُومِهِ جَلِيس، ضَيَّعَ الخَيْرَ النَّفِيس، دَقَّ عليهِ رَمَضانُ بَابَه وطرَقَه، فأقْعدَه الحِرْمانُ وصرَعَه، فلا تَرَاه فِي زُمْرَةِ المُحْسنين بِإحْسَان؛ بل هُوَ في رِكَاب الغَافِلين بِحِرْمَان، يلاحِقُه الخُسْرَانُ فِي كلِّ مكَان .
وما أعظمَ العَبْرَةَ! والعِبْرَةُ فِيه، بِإمْساكِ العَبدِ الطَّعامَ والماءَ عن فِيه، وكَيْفَ لا ؟

  • ففي مَوْضِعٍ ترى الماءَ آية، ولِلْخَلْقِ هِدَاية مِنْ غِوايَة، كآيةِ "صَالِح" فِي قِومِهِ ثَمُود؛ إذْ جَعَلَ اللهُ للنَّاقةِ شِرْبًا وهُم على الشِّرْبِ شُهُود، فَعَقَرُوا النَّاقةَ بِظُلْمِهِمْ ونَقَضُوا العُهُود، فجعلَ اللهُ الماءَ فيهم آيةً وبرهانًا.
  • وفي موْطنٍ يكُونُ الماءُ بلاء وشَقَاء، لِمَنْ زَعَمَ لِنفسهِ الكِبْريَاء، كشأنِ طَاغِيةِ الخَلْقِ فرعوْن، فأغرقَه اللهُ وملأَهُ في اليمِّ مِن دونِ عَوْن، بلاءً وشَقَاءً .
  • وفي موْردٍ يكونُ الماءُ نِعْمَةً وعافِية، وذلكَ في شهرٍ فضيل، خَيْرُه يَسِيل، وَأَجْرُه جَميل، فِيه لَيْلَةٌ قَدْرُها جَلِيل، وفَضْلُها جَزِيل، مَحْرُومُهَا ذَلِيل، فيمسكُ الإنسانُ عن الماء في رمضانَ استجابةً لله وإنابة، فيجعل اللهُ الماءَ لهم نِعْمَةً وعافِية .
  • وفي مَوْضِعِ يكونُ الماءُ فِتْنَةً وابْتِلاء، يَمْنَعُ اللهُ القَطْرَ مِنَ السَّمَاء، إِذا مَنَعَ النَّاسُ الزَّكاةَ عَنِ الفُقَراء، فِتْنَةً بهم، وابْتِلاءً لهم .
  • ويَأْتِي الدَّجَّالُ آخِرَ الزّمَانِ بالبَلاء، مَعَهُ جَبَلُ خُبْزٍ ونَهْرُ مَاء، فِتْنَةً للعِبَاد، وابْتِلاءً للبِلاد .
  • وفِي سَقَرَ عَذَابٌ لأهْلِهَا وجَحِيم، مَقَرُّهُم بَهِيم، وزَادُهُمْ حَمِيم، ووقْتُهُمْ عَقِيم، صَدِيقُهم خَصِيم، وقَائِدُهُمْ رَجِيم .
    فما أعظمَ العَبْرَةَ ! والعِبْرَةُ فِيه، وأكْرِمْ بِعَبدٍ هَذَا القَدْرُ يَكْفِيه !
    فأصْلِحْ نفْسَكَ وجنِّبْهَا المدْح، وتَعَهَّدْ أهلَكَ بالنُّصْح، وأَدِمْ مَوَدَّتَهُم بالصَّفْح، واجْمَعْ بِالمَعْرُوفِ شَمْلَهُم، والْزَمْ على الطَّاعَةِ حَمْلَهُم، بليِنٍ ورِفْق، بحقٍّ وصِدْق .
    واغْتَنِمْ بِالخَيْر شَهْرًا، واجْعَلْهُ لِلْجَنَّةِ مَهْرًا، وتَزَوَّدْ بِالتُّقَى دَهْرًا، وَرُدَّ وَسَاوِسَ العِصْيَان قَهْرًا .
    وَطُوبَى لِعَبدٍ قدْ تَأَهَّبَ واسْتَعَد، ومِنْ زَادِ التُّقَى تَزَوَّد .
    وهَذا أحْسَنُ ما سَعَى إِلَيْه إِنْسَان، وأَوْلَى مَا نَطَقَ بِه لِسَان .
    اللهمَّ بلِّغْنا رَمضَانَ، وبَارِكْ لنَا فِيه .
    بقلم / أشرف الصباغ .
© 2024 - موقع الشعر