توبة في غياهب السجن! - أحمد علي سليمان

أهدَى ليَ السِّجنُ تحريري ومِيلادي
وخط لي دَربَ تبصيري وإرشادي

ورُبَّ كارثةٍ تأسَى النفوسُ لها
تأتي بمنفعةٍ كُبرى وإرغاد

وإنَّ صُحبة مَن ضَلوا تُكلّفنا
ما قد رَصدناه للمَعاش والزاد

وكنتُ صاحبتُ أهلَ السُّوء أحسَبُهم
صِيداً ، فألفيتُهم مِن شرِّ أوغاد

بالهيروين وبالأفيون قد شَغفوا
وهم لوكر الدَّنايا شَرُّ رُوَّاد

وبالحشيش وبالمُورفين قد فتِنوا
والكُوكايينُ يُطفي غلة الصادي

طابَ اللقاءُ بهم في سُوء أمكنةٍ
وسْط الدَّهاليز في غياهب الوادي

همُ الحَرافِيشُ مِن أهل الهُدى بَرئوا
وليس في عَيشهم ظلٌ لإسعاد

واعتدتُ رُؤيتهم في سُوء أزمنةٍ
مُستعذِباً وُدَّهم في كلِّ مِيعاد

حتى أتتْهم بما اجترحوا مُلاحقة
والحُكمُ بالسَّجن وافى كلَّ أفراد

فما اسْتكانوا ، ولا تابوا ، ولا ندِموا
وبات كلٌّ بأغلال وأصفاد

وسَخّر اللهُ مَن في السِّجن أرشدني
وساق لي مِن وَرا القضبان مِيلادي

فتبْتُ توباً نصوحاً ، وانطلقتُ إلى
كتاب ربِّ السما وسُنة الهادي

وبتُّ أقرأ ما ألقاه في نهم
وكان نومي على ذكْر وأوراد

فلم أبال بما في السِّجن مِن مِحن
أو مِن بلاءٍ – دَهاني – رَائحٌ غادي

وطولُ مُدَّة سِجني ما اكترثتُ به
فلم أصِبْ مِن جَوى ضنكي بتَسْهاد

لله في خلقه – كما نرى - سُننٌ
مِن قبل نوح إلى قيام أشهاد

مناسبة القصيدة

(لم يكنْ يدركُ كيف يختارُ أصحابَه ورفاقه. فصاحبَ جَوقة مِن عُشاق الهيروين والكوكايين! ولم يُفق إلا وهم يتعرضون للملاحقة والمحاكمة التي لم تستثن منهم أحداً! وهناك في السِّجن يلتقي بواعظ السِّجن الذي وعظه ونصحه وأرشده ، فتابَ وأنابَ وعكفَ على مكتبة السجن ، فقرأها كتاباً كتاباً! ولم يَعُد يُفكر في طول مدة السجن ولا يسأل متى يخرج ، حيث جعلتْ له التوبة النصوحُ عالَماً آخراً ومَشْرَبيَّة أخرى ، يُقيِّمُ بها الواقعَ ويهرب منه إلى عالم نقيٍّ بَهِي!)
© 2025 - موقع الشعر