هَجَرَت بَعدَكَ القُلوبُ الجُسوما - صفي الدين الحلي

هَجَرَت بَعدَكَ القُلوبُ الجُسوما
حينَ أَمسَت مِنكَ الرُبوعُ رُسوما

وَخَلَت مِن سَناكَ زُهرُ المَغاني
فَاِستَحالَ النَهارُ لَيلاً بَهيما

يا هِلالاً أَودى بِهِ الخَسفُ لَمّا
صارَ عِندَ الكَمالِ بَدراً وَسيما

وَقَضيباً رُمنا لَذيذَ جَناهُ
فَذَوى حينَ صارَ غُصناً قَويما

ما ظَنَنّا المَنونَ تَرقى إِلى البَد
رِ وَأَنَّ الحِمامَ يَغشى النُجوما

هَدَّ قَلبي مَن كانَ يُؤنِسُ قَلبي
إِذ نَبَذناهُ بِالعَراءِ سَقيما

وَنَأى يوسُفي فَقَد ذَهَبَت عَي
نايَ مِن حُزنِهِ وَكُنتُ كَظيما

يا صَغيراً حَوى عَظيمَ صِفاتٍ
أَوجَبَت في قُلوبِنا التَعظيما

خُلُقاً طاهِراً وَكَفّاً صَناعاً
وَلِساناً طَلقاً وَطَبعاً سَليما

كُنتَ رَقّي فَصِرتَ مالِكَ رِقّي
بِحِجىً مِنكَ يَستَخِفُّ الحُلوما

وَيَدَينِ ثَنَت عِنانَ يَراعٍ
أَنبَتَت في الطُروسِ دُرّاً نَظيما

وَمَقالٍ إِذا دَعاهُ لَبيبٌ
ظَنَّ أَنّي مِنكَ اِستَفَدتُ العُلوما

وَإِذا ما تَلَوتُ نَظمي وَنَثري
خالَني مِنكَ أَطلُبُ التَعليما

يا خَليلَاً مازالَ خَصماً لِخَصمي
كَيفَ صَيَّرتَ لي الغَرامَ غَريما

كَيفَ جَرَّعتَني الحَميمَ مِنَ الحُز
نِ وَقَد كُنتَ لي صَديقاً حَميما

نِمتَ عَن حاجَتي فَأَحدَثتَ عِندي
لِتَنائيكَ مُقعِداً وَمُقيما

وَتَرَحَّلتَ عَن فِنائي رَحيلاً
صَيَّرَ الحُزنَ في الفُؤادِ مُقيما

لَستُ أَنساكَ وَالمَنِيَّةُ تُخفي
مِنكَ نُطقاً عَذباً وَصَوتاً رَخيما

وَمَسَحتُ الجَبينَ مِنكَ بِكَفّي
فَأَعادَ المَسيحُ قَلبي كَليما

كُنتُ أَمَّلتُ أَن تُشَيّعَ نَعشي
وَتَواري في التُربِ عَظمي الرَميما

وَتَوَقَّعتُ أَن أَرُدَّ بِكَ الخَط
بَ فَأَمسى نَواكَ خَطباً جَسيما

قَد تَبَوَّأتَ قاطِناً جَنَّةَ الخُل
دِ فَأَورَثتَ في فُؤادي الجَحيما

وَتَفَرَّدتَ بِالنَعيمِ مِنَ العَي
شِ وَأَبقَيتَ لي العَذابَ الأَليما

فَسَقى عَهدَكَ العِهادُ فَقَد فُز
تَ بِزُلفى الجِنانِ فَوزاً عَظيما

وَعَلَيكَ السَلامُ حَيّاً وَمَيتاً
وَرَضيعاً وَيافِعاً وَفَطيما

© 2024 - موقع الشعر