أَهلاً بِها قَوادِماً رَواحِلا - صفي الدين الحلي

أَهلاً بِها قَوادِماً رَواحِلا
تَطوي الفَلا وَتَقطَعُ المَراحِلا

تَذَكَّرَت آكامَ دَربَنداتِها
وَعافَتِ الأَجامَ وَالمَراحِلا

أَذكَرَها عَرفُ الرَبيعِ إِلفَها
فَأَقبَلَت لِشَوقِها حَوامِلا

نَفرَقُ في الجَوِّ بِصَوتٍ مُطرِبٍ
يَشوقُ مَن كانَ إِلَيها مائِلا

هَديَّةُ الصِنفِ وَدَربَندِيَّةٌ
أَو خُزَريّاتٌ بَدَت أَصائِلا

لَمّا رَأَت حَرَّ المَصيفِ مُقبِلا
وَطيبَ بَردِ القَرِّ ظِلّاً زائِلا

أَهمَلَتِ التَخبيطَ في مَطارِها
وَعَسكَرَت لِسَيرِها قَوافِلا

مِن بَعدِ ما مَرَّت بِها أَخياطُها
كَما نَظَمتَ في البُرى البَوازِلا

تَنهَضُ مِن صَرحِ الجَليلِ تَحتَها
بِأَرجُلٍ لِبَردِهِ قَوابِلا

قَد أَنِفَت أَيّامُ كانونٍ لَها
مِن أَن تُرى مِنَ الحِلى عَواطِلا

فَصاغَتِ الطَلَّ لَها قَلائِداً
وَالثَلجَ في أَرجُلِها خَلاخِلا

لَمّا دَعاني صاحِبي لِبَرزَةٍ
وَنَبَّهَ الزَميلَ وَالمَقاوِلا

أَجَبتُهُ مُستَبشِراً بِقَصدِها
نَبَّهتُمُ لَيثَ عَرينٍ باسِلا

ثُمَّ بَرَزنا نَقتَفي آثارَهُ
وَنَقصِدُ الأَملاقَ وَالمَناهِلا

بَينَ قَديمٍ وَزَميلٍ صادِقٍ
لا زالَ شُكري لَهُما مُواصِلا

وَالصُبحُ قَد أَعَمَّنا بِنورِهِ
لَمّا اِنثَنى جِنحُ الظَلامِ راحِلا

تَخالُ ضَوءَ الصُبحِ فَوداً شائِباً
وَتَحسَبُ اللَيلَ خِضاباً ناصِلا

وَقَد أَقَمنا في المَقاماتِ لَها
مَعالِماً تَحسَبُها مَجاهِلا

وَأَعيُنُ الأُسدِ إِذا جَنَّ الدُجى
أَذكَت لَنا أَحداقُها مَشاعِلا

نَرشُقُها مِن تَحتِها بِبُندُقٍ
يَعرُجُ كَالشُهبِ إِلَيها واصِلا

فَما رَقى تَحتَ الطُيورِ صاعِدٌ
إِلّا اِغتَدى بِها البَلاءُ نازِلا

لِلَّهِ أَيّامُ بِهورٍ بابِلٍ
أَضحى بِها الدَهرُ عَلينا باخِلا

فَكَم قَضَينا فيهِ شَملاً جامِعاً
وَكَم صَحِبنا فيهِ جَمعاً شامِلا

فَهَل تُرى تَرجِعُ أَيّامٌ بِهِ
في جَذَلٍ قَد كانَ فيهِ حاصِلا

هَيهاتَ مَهما يَستَعِر مُستَرجِعٌ
أَراجِعٌ لي الدَهرُ حَولاً كامِلا

© 2024 - موقع الشعر