الوريثُ الوحيد! - أحمد علي سليمان

ويحَ العُمومة لمَّا تُوفِ بالعهدِ
وأخلفتْ ما انتوتْ مِن صادق الوعدِ

هي التي اقترحتْ ، والأم قد قبلتْ
وباركتْ ما ارتآه العَمُّ مِن قصد

أعطتْه بارقة الأمان تسبقها
قناعة أنْ يعودَ الأمرُ بالفيد

وأمَّلتْ خيرَها يأتي على عَجَل
ولم تُدوِّنْ على الأوراق مِن قيد

وشجّعتْه على استثمار ما ورثتْ
ولم تُعلقْ على نصٍّ ولا بَند

وناولتْهُ مِن التطمين حِصَّته
لأنه جادَ بالأيمان والعهد

وقاسمَ الأم أن الخيرَ موعدُها
إنْ طابَ زرعٌ سيؤتي طيِّبَ الحَصد

فدونتْ إسمَها في الطِرس راضية
ولم تُخوِّنْ ، عسى الرحمنُ أن يهدي

ووقعتْ دون تأجيل وكالتها
واستقبلَ العمُّ جَذلاً عاجلَ الرد

وقام عمي بما يَخزى الجبينُ له
برغم ما كان يُبديهِ مِن الزهد

باعَ المواردَ أغنتْنا مكاسبُها
عن جُود عَمْر مِن الآنام ، أو زيد

فلم تعُدْ شركاتٌ نستعينُ بها
كانت لأمي ولي مِن أنفع الرِّفد

غدرت يا عمُّ ، والأعدا بنا شمتوا
فما مُبررُ ما أتيت مِن كيد؟

أما حباك أبي الأموالَ وافرة
جَلتْ عن الحَصر يا عَماهُ والعد؟

ألم يَخصك بالعطاء أنت به
في ذِروة العز والتمكين والسعد؟

ألم يُؤازرْك بالخيور ما صرفت
عيناك عن نهمة الأطماع والجَحد؟

أنا اليتيمُ ، وهذا المالُ مالُ أبي
وقبلَ فقدِ أبي ذاقَ الردى جدي

لا عَمَّ يُرجعُ ما استحللت دون حيا
بدافع البُغض والشحناء والحِقد

ثم اغتربت عن الديار مُغتصباً
أموالَ أم وطفل كان في المهد

وبارك الله أموالاً ظفرت بها
عقداً ، ولمَّا تزرْ أهليك في البُلد

ونحن عِشنا على نوال كوكبة
مِن الأماجد ، رامُوا جَنة الخُلد

ما ألجأونا بما جادوا إلى أحدٍ
والجودُ أذهبَ ذِكرَ النهب والفقد

وأنت ترتعُ في أموالنا غرداً
واهاً لعم على إهلاكنا غِرد

وعُدت تملك آلافاً مؤلفة
وجئت أطلبُ حقي ، قلت: ما عندي

هيا اثبتوا حقكم ، حتى أعيدَ لكم
أوراقكم أين أتلوها فأستهدي؟

فقلتُ: يا عمَّنا ، دنياك فانية
فامهدْ لنفسك خفْ من ظلمة اللحد

ما زادَ خذهُ ، وأرجعْ ما سرقت لنا
حتى تعود لنا وشائجُ الود

فقلت: ليس لكم في ذِمتي ذهبٌ
كلا ، ولا وَرِقٌ ، والزورُ لن يُجدي

فعدتُ يَصحبُني يأسٌ بُلِيتُ به
إذ ما لطغيان هذا العم مِن حَد

وفيك فوضت رب الناس منتظراً
عدالة الخالق المُهيمن المُبدي

وما غفلتُ عن الدعاء أرسلهُ
والكف مُدتْ إلى رب السما الفرد

وكنتُ واللهِ يا عمي على ثِقةٍ
من نصر رب يُعيدُ الحق للعبد

فجاءنا نبأ أصمى مسامعنا
من أن عمي قضى في حادثٍ مُردي

وأسرة العم يا للهول قد هلكتْ
وبت وحدي وريثاً ليس من نِد

وعاد مالي ، ورب الناس ضاعفهُ
وللمهيمن كلُّ الشكر والحمد

وبُدِّلَ الحالُ مِن ضِيق إلى فرج
والعيشُ كالبحر بين الجَزر والمَد

مناسبة القصيدة

(إنه عندما يوجدُ في عائلةٍ ما يتيم ، فإنه يتعينُ على ذوي قرابته أن يُكمِلوا مسيرة أبيه ، ولا يُشعرونه يوماً بأنه في هذه الحياة وحده يتلظى بنيرانها ويواجهُ بلاءاتِها! أما أن يكونَ اليتيمُ نهباً للسِّباع والضواري من بني البشر ، فهذا لا يُقِرهُ عَقلٌ ولا شَرع!)
© 2024 - موقع الشعر