اللهم تقبلْ مني شِعـري - أحمد علي سليمان

أنشدْتُ في الله ما سَطرْتُ من شِعري
وأبتغي مِنه في يوم الجَزا أجري

وما ارتضيتُ لشِعري أي مَنقصةٍ
ولا التمسْتُ له عَيباً به يُزري

وما أردتُ به دنيا تُغازلني
وإن زخرفها بُلهَ الورى يُغري

ولم أوظفْهُ للتدْشِين صُبحَ مَسا
وللأماديح في ذا العصر تستشري

لم أطر (زيداً) لكي أحظى بما ملكتْ
يداهُ مِن عَرض في السهل والوعر

ولم أذمّ به (عَمْراً) ليُسْكِتني
بين الأنام ببعض المال والخير

ولم أحسّنْ به قبيحَ مَن سفلوا
إني مِن السوء والسفول أستبري

ولم أقوّمْ به مُعْوَجَ مُنحرفٍ
فليس للعِوَج المُزري سوى البَتر

ولم أجَمّل به تشويهَ مَن سَقطوا
في حَمأة التيه بالإفلاس والمَور

ولم أقبّحْ به مَعروفَ مَن نبُلوا
وكلُ حُر فعالَ الخير يستمري

ولم أشَوهْ به جَميلَ من بذلوا
حتى أقول: أرادوا زهوة الفخر

ولم أوال به مَن في الدنا فسدوا
وأفسدوا الناسَ بالتضليل والمكر

ولم أتوّجْ به تاجاً لمبتدع
وإن فعلتُ فما الداعي؟ وما عُذري؟

ولم أرَوّجْ به العصيانَ عن رَغب
لأنني لم أعشْ أدعو إلى الشر

ولم أجاملْ به وَغداً لصولتهِ
كي لا يُسَربلني بالكيد والغدر

ولم أبَرّرْ به إجرامَ مُجترم
إنْ كنتُ بالجُرم في أفعاله أدري

ولم أغازل به (ليلى) لتعشقني
لأنني لم أهمْ في حُبها العُذري

وما جعلتُ بناتِ الناس لي هدفاً
وضعْتُه في قيود الحبس والأسر

ولم أوَصّفْ به جمال غانيةٍ
أضحتْ لمن يشتهي جمالها تشري

ولم أصَوّرْ به قداً تميسُ به
لتنقل العِيرَ من طور إلى طور

ولم أصوّرْ به العيونَ ساحرة
يصبو إليها عديمُ الفهم والفِكر

ولم أصوّرْ به حاشا وجوهَ نِسا
لم يَسْتبنّ سبيلَ الخالق البر

ولم أصَوِّرْ به الغاداتِ دون حيا
لأفتن الناسَ في سِر وفي جهر

ولم أداو به أسقامَ من فجروا
إذ لستُ أنصرُ أهلَ الفسق والفجر

سَخّرتُ شِعريَ للإصلاح مُحتسباً
حتى أجنبَ نفسي هُوّة الشر

مَدَحتُ بالشعر رب الناس لي أملٌ
أن يغفرَ الله ما قارفتُ مِن وِزر

فليس مِن أحدٍ يُحب مِدحته
مثلِ المهيمن رب الخلق والأمر

وبعدُ أطريتُ مَن للخير أرشدَنا
نبيَ خير به كم احتفى شِعري

وما غلوتُ بمدحي قيدَ أنملةٍ
شأنَ الذين غلوا مِن سالف الدهر

بل كنتُ معتدلاً فيما نطقتُ به
في سيد الخلق مِن شعر ومِن نثر

وبعدُ أطريتُ آلَ البيت لي شَرفٌ
بكل صدق ، وليس الصدقُ كالهتر

وبعدُ أطريتُ أفذاذاً له صَحِبوا
أنعمْ وأكرمْ بصحب سادةٍ غر

وبعدُ أطريتُ مَن للمصطفى تبعوا
بساطع الشعر في القِرطاس كالتِبر

وتابعيهم أنا لم أنسَ مِدحتهم
بل شِدتُ بالمجد جاؤوهُ على الفور

سَخرت شِعريَ للأخلاق أمدحُها
وكل ذي خلق أوْليتُه شُكري

وشِدتُ بالقيم الصحاح قيمتُها
تفوقُ ما حاز أهلُ الأرض مِن دُر

وشِدتُ بالأدب الرفيع يُتحِفنا
إن زانَ عِيشتنا كالكوكب الدُري

وكم دَحَضتُ به فرىً تُهدّدُنا
ولم أبال بأهل الكرّ والفر

وكم قمعتُ به في الدار من بدع
وبعضُها ساقط يدعو إلى الكفر

وكم وأدتُ أباطيلَ الألى هزلوا
وبعضُها ماجنٌ يدعو إلى العُهر

وكم ضربتُ بسهمي في رَحَى شُبَهٍ
طابتْ ، ورَوّجَها دَهاقنُ الدُعر

وكم أبنتُ سبيلَ المجرمين لمن
في جُرمهم خُدعوا بالطبل والزمر

وكم تعقبتُ أهلَ البغي هجمتُهم
شَبّتْ سعيراً كمثل النار والجَمر

وكم تعرضتُ للتضييق مُحتملاً
تعنتَ القوم في التوزيع والنشر

وكم تكبّدتُ أموالاً صَرفتُ على
شِعر أكلفه قوتي ، فمَن يشري؟

وكم شَرقتُ بتهميش ، وضِقتُ به
ذرعاً ، وقلتُ: ومَن يحيا بلا ضُر؟

وكم حَظِيتُ بالاستهزاء يُعلنه
أدنى قريب ، وقد ناولتُه سِري

وكم حَظِيتُ بالاستثقال يُشْهرُهُ
سيفاً عليّ صديقٌ حارَ في أمري

رباهُ عَوّضْ ضعيفاً ريحُه ذهبتْ
ومَدّ كف الدعا يشكو أذى الضير

هذا قريضي ، ونورُ الشرع يُتْحِفهُ
وسُنة المصطفى في السطر والسطر

رباهُ فاقبلهُ مني خالصاً ، وأنا
آسى وأشفِقُ أن يبوءَ بالخسر

ربي تقبله ، واغفرْ ذنبَ صاحبه
وأنت أهلُ العطا والصفح والغفر

ربي تقبله مني إذ نذرتُ له
عمْراً مديداً ، وأخشى ضيعة العمر

ربي تقبّله ، وانفعْ مَن أحب به
واجعلهُ ذخراً لنا ، أكرمْ بذا الذخر

ربي تقبله ، إن تقبلهُ فزتُ به
فوزاً أكونُ به في ذِرْوة البِشر

ربي تقبله نوراً في القبور غداً
فإن مننت تلاشتْ ظلمة القبر

ربي تقبله يومَ الحَشْر ينفعُني
فإن مننت مَضتْ مَخاوفُ الحَشر

مناسبة القصيدة

(لقد يكونُ هذا الديوان هو آخرَ عَهدي بالشِعر! والله أعلم. جاوزتُ الستين ، وقد أعذرَ الله تعالى إليّ ، بنص الحديث! فماذا أنتظر؟ ومن هنا عَجّلتُ بإخراجه ، حيث إنني أشعرُ أنني في سباق مع الزمن! وأسأل الله تعالى أن يتقبلَ مني شِعري كله ، وأن يغفرَ لي به ذنبي ، وأن يتجاوز عن زلاتي فيه ، وأن يجعله سبيلاً إلى جنته! كما وأسأله أن ينشره في العالمين ، وأن ينفع به الناسَ أجمعين! إنه سبحانه وتعالى وليُّ ذلك والقادرُ عليه!)
© 2024 - موقع الشعر