في مكتب مدير المدرسة 2 - أحمد علي سليمان

فيمَ التذبذبُ والتطاولُ الوَقِحُ؟
وهل نهاية هذا الباطل الفلَحُ؟

مُدِيرَنا كُفّ عن أخزى مُساومةٍ
إني أراك بها تَخزَى وتُفتضَح

فيمَ الشفاعة في وَغدٍ وجُنحَتِهِ
بل كلُ حرفٍ بها – لمن يعي - جُنَح

أتستهينُ بما أتاهُ مِن ضَلل
به فؤادُ سفيه العقل ينشرح؟

وكيف تنساقُ مُختاراً لباطله؟
وحُكْمُ ما قد أتى في الشرع متضح

وكيف يَرفعُ كفاً بعد قولته
على المعلم؟ خابَ الظالمُ الوَقِح

وكيف يَشتمُ أمًّاً في مناقشةٍ؟
ما ذنبُ أمٍّ بهذا الطعن تصطبح؟

وكيف يُرسلُ في الأستاذ سيفَ أذى
ويَستخف به ، كأنه الشبح؟ّ

حتى إذا سجّل المظلومُ قِصّتهُ
والنصُ فيه دِلالاتٌ ومُفتتح

يُفَصّلُ الأمرَ للسلطان دون هوى
وليس يَنقِصُ ما أدلى به وَضَح

ووقعاهُ معاً ، بلا مُواربةٍ
مُدوناً ما جرى يُرضي الألى نصحوا

مستبشرَيْن بإنصافٍ ومَعدلةٍ
فقال قومٌ: ألا يا أهلنا اصْطلِحوا

وقال قومٌ: له تُجرى مُحاكمة
بنص حُكم بروح العدل يتشح

حتى يَزولَ وبالُ الفعل قارفهُ
هل مؤمنٌ مثلَ هذا الكفر يَجترح؟

قلتُ (النيابة) مَرمانا ومَطمَحُنا
وعندها يَنشُدُ الإنصافَ مَن طمحوا

للدين ربٌ ، وأمّي لستُ أخذلها
في مَشهدٍ ما به للهزل مُنفسَح

قال المديرُ: أنا عن ذاك معتذرٌ
وأنت أستاذنا المُهذبُ الفُسُح

فقلتُ: تقبلُ سَبَ الأم في ملأ؟
فقال: كلا ، وأهجو كل مَن قدحوا

فقلتُ: يا سيدي ، ما الفرق بينهما؟
أمي وأمك صونٌ ليس ينجرح

فقال: سامحْ وفزْ بالأجر يا رجُلاً
فقلتُ: أمْراً ترى؟ أم ذاك مُقترَح؟

فقال: مُقترحي ، ولستُ أفرضُهُ
وأنت بالعفو والتيسير تُمتدح

قلتُ: المديرُ له عندي مكانتهُ
والصدرُ بالقبول الجم مُنفسٍح

فلم يزلْ برطيب القول يُحْرجني
حتى رضيتُ ، وسادَ السعدُ والفرح

وقبّلَ الرأسَ ذاك الوغدُ منكسراً
وزالَ عن وجهه القتامُ والترح

وأقبلتْ زوجُهُ تبكي ، وتشكرُني
وساد صمتٌ أتتْ من بعده المُلَح

وكنتُ وضّحتُ حُكمَ الشرع محتسباً
والقومُ بالشرح والتوضيح كم فرحوا

وانفضَ مجلسُنا ، والبِشْرُ يَغمرُهُ
والضِحْكُ والدمعُ والترحيبُ والمَرَح

والحمدُ لله مُبْكِينا ومُضْحِكِنا
عساهُ يجعلنا مِن الألى فلحوا

مناسبة القصيدة

(الأصلُ في الإدارة الناجحة الحيدةُ والموضوعية والإيجابية في القضاء والتحاكم والفصل في القضايا المتعلقة بالمعلمين داخل محيط المدرسة! وأما القضايا التي هي خارج محيط المدرسة والتي تتعلقُ بحقوق المعلمين ، فينبغي عدمُ الخوض فيها إلا بالنصيحة المجردة والموعظة المُحايدة ، ويُترك القرارُ للأطراف المتصارعة المختلفة! أما إجبارُ المعلم على التنازل عن حقه الذي عجزتِ الإدارة عن الإتيان به ، أو إحراجُ المعلم لحَمْله على التنازل عن حقه ، فهذا سَمتُ الإدارة الفاشلة الجاهلة المُغرضة! وتبدأ قصة قصيدتنا هذه بعد انتهاء اليوم المدرسي ، وكانت المناوبة المسائية (مناوبة عودة الطلاب إلى منازلهم) ، إذ سلامة الطلاب مُقدّمة على تعليمهم وتربيتهم! وكانت المناوبة تقتضِي – حسب تعليمات الإدارة – بقاءَ المعلم المناوب حتى خروج آخر طالب من المدرسة! وأخذ المعلم المبتلى طريقه إلى بوابة المدرسة ، فوجدَ مشاجرة وضجيجاً وجدلاً يدور مع زميله المناوب ، الذي أبى أن يُسَلم الطالب الذي هو في الصف الأول لأخيه الطالب في الصف الثامن كالعادة! حيث صدر قرارٌ من المدير وتعميمٌ من الوزارة ، بأن يُسَلم الطالب لقريب من الدرجة الأولى وبالبطاقة أو التابعية أو الهوية! فإذا بولي أمر متهور كان قد أطلق لسانه في المعلم وفي دينه وفي أمّه! فأخذتِ المعلمَ المسكينَ غير المناوب الحمية والغيرة والشهامة ، فأبى أن يترك زميله في هذا المأزق! فقال لولي الأمر السافل الحقير: احترمْ نفسك يا هذا ، ولا تسب دين الله ولا تسب المعلم ، هذه تعليماتٌ من الإدارة والوزارة ، لضمان سلامة الأولاد ، وبإمكانك مراجعة الإدارة! فإذا به ينقلُ ساحة المعركة لتكون مع الزميل المدافع لا المناوب ، فلم تعد مع المعلم المناوب فقط! فراجعه بعضُ أولياء الآخرين ، فلم يرتدعْ ، بل تمكنَ منه شيطانه للحد الذي تطاول فيه على المعلمَين وسب أم ودين كلٍّ منهما! فقال المعلمُ المدافع: أما إني لا ناقة لي ولا جمل في هذا السجال ، ولكنك فرضته عليّ! والأصلُ أنه لا يُضارّ كاتب ولا شهيد! عموماً وأمام الملأ لو كنت رجلاً ، وخلفك أبوك لتكون رجلاً في هذه الحياة ، فقط ارفع يدك عليَّ ودعْك من الزميل! فبهت وقال: كلامي ليس معك! فقال المعلم: وسب ديني وسب أمي كان لي أم لغيري؟! وقام المعلمُ بجمع أرقام هواتف بعض الحضور ، وسألهم إن كانت عندهم المقدرة والشجاعة على الشهادة في المخفر أو في المحكمة ، فأبدوا استعدادهم لذلك: النساء قبل الرجال! فشكرَ لهم صنيعهم ، وأخذ زميله واتجها معاً بعد انتهاء المناوبة – إلى مخفر الشرطة ، وقاما بتحرير مذكرة ، وذكرا فيها الموضوع من ألفه ليائه ، وتناولا الواقعة بتفاصيلها مدونين أسماء الشهود وأرقام هواتفهم! وتحمّس الضباط المناوبون ، وقاموا باستدعاء الجاني ، وأقرّ أمامهم ، وقال: اعذروني كانت ساعة شيطان! فقال له أحدهم: وهذه ساعة ملاك! وانفكتْ بذلك الجهة مع المخفر! وبقيتْ أمامه المدرسة ، مُستغلاً أنه من نفس بلد المدير وعلى معرفةٍ وعلاقةٍ وصداقةٍ به! ومازال المديرُ بالمعلم المناوب حتى أقنعه بالتنازل! وبقي أمامه المعلمُ المدافعُ المبتلى ، لا بد من أن يتنازل هو الآخر ، ليغلق المحضر ويحفظ حسب التعليمات والقوانين واللوائح! فأرسل المدير في طلب المعلم الشهم المدافع ، ليُحرجه أمام جمع من الحضور من كبار المعلمين والجاني المجرم والمعلم المناوب! فقال المعلم: أوافق بشرط! فقالوا جميعاً: شرطك مُجاب! فقال: أبين له حُكمَ الله تعالى في سب الدين! فقالوا تفضل: وبين المعلم المسألة في ضوء نصوص الكتاب والسنة واجتهاد العلماء! ثم تنازل وأنهى الموضوع! وكانت قصيدتي هذه موجهة للمدير خاصة ، ولكل مدير يكون في الموقف ذاته: إذا كنت غير قادر على إرجاع حق المعلم ، فدع غيرك يأتي له به! وأنشدتُها حكاية على لسان المعلم الشهم الذي عظم شعائر الله وحُرماته عندما غضب لسب الدين علناً أمام ملأ من الناس! وعندما أخذته الشهامة ، فلم يقبلْ إهانة زميله! إنما تصدّى للدفاع عنه غيرَ عابئ بمغبات الأمر! وتحمّلَ في سبيل ذلك حرقَ الدم والأعصاب وإضاعة جُهدٍ ووقت!)
© 2024 - موقع الشعر