في مكتب مدير المدرسة 1 - أحمد علي سليمان

اشْرَقْ بغيرتك الرعناء محترقا
بيني وبينك صدّق لن يكون لقا

كم احْتملتُك دُهقانا تُهددُني
بكيد مرتصدٍ ، لا يعرفُ الشفقا

وكم تصبّرتُ في فرحي وفي ألمي
فما لراحة عبدٍ والعذاب بقا

وكم تكلفتُ إظهار السرور بما
يقول من زادني – بين الأنام – شقا

وكم تحمّلتُ منك الكيدَ عن رغم
إذ ليس يعرفُ قلبُ الجعظري نقا

وكم تجاهلتُ ما تُبديه من كدر
وأنت تُتقنُ فيه الطيشَ والنزقا

وكم تغاضيتُ عن أقوال ذي صلفٍ
يُهدي لمن حوله التشكيكَ والقلقا

وكم تناسيتُ أوجاعاً تجودُ بها
على أناس بها قطعتهم مِزَقا

حَرّشْت بينهمُ ، حتى ظفرت بهم
فبادلوك خِداعَ النفس والمَلقا

أدرت مدرسة بحقدك انتكستْ
وضاعَ سُؤدَدُها ، ومجدُها مُحِقا

ونحو هاوية الفساد سِرت بها
والمجدُ يلفظ دجالاً ومُرتزقا

مازلت تُوقعُ بين العاملين بها
فأصبحوا بعدما حطمتهم فِرقا

مازلت تُرسل إسفينات منتقم
تُرسّخ الغِلّ والتفريقَ والحَنَقا

مازلت تنفثُ سُم البُغض في ملأ
رضيت عنهم ، فأمسى خيرُهم غدقا

ومن غضبت عليهم عِبت وَحدتهم
وقلدوا في سراب التيه منطلقا

بئس الإدارة بالأخلاق ما اتصفتْ
بل أتقنتْ سيء العادات والخَرَقا

بئس الإدارة لم ترفقْ بمن ظلِموا
بل بالغتْ في الأذى ، وساء منزلقا

بئس الإدارة ما قامت دعائمُها
على العدالة حتى ترفعَ المِشَقا

فأهدرتْ بالهوى حُسْنى مُعلمها
لم تُبق من عِزهِ – بين الورى – رَمَقا

وعاملتْهُ بكل السوء عامدة
أدنى من الكلب أو كالكلب ما افترقا

فمُقتنِي الكلب يُؤويهِ ويرحمهُ
والله يرحمُ من – بخلقه - رفقا

وكلنا يذكر (البغي) إذ رفقتْ
بالكلب يلهثُ ، والتراب قد لعقا

فأمسكتْ خُفها عَجلى لتغمرهُ
بالماء قانعة حتى يكون سقا

والكلب أسقِيَ ، والغفرانُ حِيزَ لها
وأذهب الله رجس الذنب والرهقا

أما (مدير) قصيدي ، يا لخِسّتهُ
قضى السنين ولم يكن لهُ رُفقا

أزرى بدمرسةٍ ما كان أعظمها
وصِيتُها بسنا أمجادها نطقا

إذ خالها الإرثَ عن أبيه أورِثَهُ
بها المعلمُ – كالرقيق – ما افترقا

حيثُ المديرُ غدا بالجبر سيّدَهُ
والعبدُ للطاعة العمياء قد خُلِقا

بئس الإدارة بالعدوان قد عُرفتْ
والوصفُ هذا على أفعالها انطبقا

تُصارعُ الكل في ساحات خندمةٍ
أما المديرُ فسيفَ الباطل امتشقا

ويوم قيلَ له أحسنْ لكوكبةٍ
من أكرم الناس بالخيرات قد سبقا

أرغى وأزبدَ مختالاً بصولته
وقال: فلسفة عزيفُها اتسقا

يا جعظري استفقْ مما تُمارسُهُ
من الحماقات ، خل الغبنَ والحُمُقا

يوماً ستتركُ ما قلدت من وُظفٍ
وإن جنيت بها الياقوت والوَرِقا

لو دامَ للغير يوماً منصبٌ وعُلا
لما أتاك – بغير الجهد – مؤتلقا

يزولُ عنك ، وقد تزولُ عنه ، وإن
تغرُرْك زهوتُه ، يجعلْك مرتزقا

هي الإدارة تكليفٌ لمن عقلوا
يستوجبُ الحِذرَ مِن بلواه ، والفَرَقا

أتيتُ مدرستي ، والغيثُ منهمرٌ
والأرضُ من فورها قد أصبحتْ زلقا

والغيثُ مثلُ دُخَان غالَ رؤيتنا
وقد غدا لونه مُستشكلاً بَلِقا

وقِيلَ: صُفوا على اليمين ، واصطبروا
فالغيثُ أمسى من السماء مندفقا

فما استجبتُ لدعوى القوم تجعلني
في مأمن ، من أطاعَ النشرة انعتقا

خاطرتُ والله نجاني ، وسلمني
والمُشرفُ النذلُ لمّا جئتُه انفهقا

وجادلَ الغِر بالبهتان دون هُدى
والله أعلمُ ما قصدُ الذي نعِقا

فقلتُ: سلمْ وباركْ ، لا تكنْ عَجِلاً
وإن في دُرجك اليراعَ والوَرَقا

فلم يُبال بما بيّنتُ من حُجَج
فقلتُ: سَددْ وقاربْ ، بعدها انحمقا

فقلتُ: خيّب مولانا إدارتكم
كم ضِقتُ ذرعاً بها والقلبُ كم صُعِقا

أدنى من الكلب أشقاكم يُعاملنا
وإن نناقشْهُ لم ندركْ له أفقا

وقلتُ ما قلتُ لم أخشَ الصدامَ به
برغم أنيَ لم أعهدْ له خُلقا

وبعدُ نادانيَ الباغي لمكتبهِ
حتى يُداويَ ما أدمى بما اخترقا

فقلت: يا داعياً ما نوعُ مجلسكم
حتى يطيبَ حديثٌ في بهيّ لقا؟

لقيا المودة؟ أم لقيا محاكمةٍ؟
فقال: ودّية ، والقلبُ قد وثقا

لذاك صارحتُ بالحقيقة انبثقتْ
من الفؤاد ، وينجي الله مَن صَدقا

فقاطعَ الخِب مُحتالاً كعادته
وقال: تطعنني؟ واحتجّ واحترقا

فقلتُ: أرفعُ للجبّار مَظلمتي
إثنان نحن على القضا اتفقا

والله أعظم جبّار ومنتقم
وليس يظلمُ رب الناس مَن خلقا

رباه فاقتصّ لي من ظالم أشر
بالقهر جَرّعني والأهلَ كأسَ شقا

مَددتُ كَفي إلى ربي ، ولي أملٌ
أن يُرْجعَ الله حقاً بالأذى اختنقا

وأن يُعاقبَ بالعدل (المديرَ) فقد
طغى وأفسدَ ، والتسلط اعتنقا

مناسبة القصيدة

(الأصلُ أن يكون المديرُ في أي مُنشأةٍ أو مُؤسسةٍ عادلاً مُنصفاً ، بوصفه أكبر رأس فيها! وإذا كان مديراً في مدرسةٍ ، فينبغي أن يكون أكثرَ المُدراء عدلاً وإنصافاً ، بوصفه مديراً لمنشأةٍ أو مؤسسةٍ سيتخرجُ منها من سيقودون زمامَ الحياة فيما بعد! أما أن يكون ظالماً متجاوزاً ، أو مُنحازاً لخصم ضد الآخر ، بدون وجه حق ، فإن هذا المبدأ غيرُ مقبول أبداً في مؤسسةٍ تعليميةٍ تربوية! وتبدأ قصة قصيدتنا هذي عندما ابتُلي أحد المعلمين المجتهدين المخلصين بإداراتٍ متعاقبة فاشلة ، لا تُقدّرُ ما للمعلم من حقوق ، إنما تُدرك فقط ما عليه من واجبات والتزامات! أما ما اسم المعلم؟ وما اسم المدير؟ وما اسم المدرسة؟ وفي أي زمان؟ وفي أي مكان؟ فهذه الأسئلة لا تُفيدنا كثيراً في فحوى القصة وزبدتها! والسبب أنني وجدتُها قصة مكرورة في أشخاص كثيرين وأزمنةٍ وأمكنةٍ أكثر من أن تُحصى كثرة! وفي بعض المدراء الديكتاتوريين المتسلطين بالقهر! وتحدث هذه القصة بحذافيرها ، عندما تُبتلى مدرسة ما بمعلميها وطلابها بمدير يَعتبرُ المدرسة مَزرعة أو تِكية أو عِزبة ورثها عن أبيه! وأن كل البشر فيها - من معلم أو موظفٍ أو مشرفٍ أو طالبٍ أو حارس - عبيدٌ كان قد ورثهم كذلك عن أبيه! ولا ننكر أبداً أن في الساحة لا يزال هناك مدراء شرفاء محترمون منصفون عادلون! لم يَجرفهم تيار المنصب ، ولم يُغرهم بريق الوظيفة! جاء معلم قصيدتنا إلى المدرسة متأخراً لظروف قاهرة ، فاعتذر للمدير فلم يقبل منه! وقال المدير له متحدياً في صلف وغرور: أنت تطلب المستحيل ، وتفكر بطريقة خيالية لا سبيل إلى تطبيقها في الواقع! فقال المعلم وقد أيقن بانتقام المدير لا محالة: إن وليي الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين! حسبي الله ونعم الوكيل! وما زال يرددها حتى خرج من مكتب مديره ، الذي كان يغار منه غيرة شديدة والسبب حب الجميع للمعلم الشهم ، ذلك الحب الذي لم يحصل المدير على عشر معشاره! لقد دفعته الغيرة والحسد إلى ظلم المعلم! فتخيلتُ المعلمَ يُلخصُ ذلك الحوارَ شعراً ، ويقول للمدير الغيور الحسود: غِرْ كيف شئت ، واحسدْ كيف شئت ، واظلمْ كيف شئت! والله حسبي ونعم الوكيل ، ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق ، وأنت خيرُ الفاتحين!)
© 2024 - موقع الشعر