إلى أين يا عدوة نفسها؟! - أحمد علي سليمان

إلى أين بالأسْرة المُنطلقْ؟
لقد أغلقَ الكيدُ كل الطرق

وباءتْ بتمزيقها أسرة
وأضحى الجميعُ على المُفترق

وشتتها المكرُ حتى غدتْ
تُفتشُ في ذي الدنا عن أفق

وباتت – بغدركِ - أضحوكة
فهلا كففتِ صنوفَ النزق؟

أليس بقلبك بعضُ الوفا
لكي تطرحي عنكِ شر الخَرَق؟

لماذا الفضائحُ بين الورى؟
لماذا التعدي وسُوءُ الخُلق؟

لماذا التجاوزُ؟ أين الحَيا؟
لماذا التحدي؟ لماذا الحَنَق؟

لماذا على الزوج مثلُ اللظى
وعيشُكِ قد عَرْقلتْه المِشَق؟

وأبناؤكِ اليومَ مثلُ العِدا
فليسوا خِياراً ، ولكنْ عُقق

هداديكِ إن الدروبَ اشتكتْ
ولمّا يعدْ عَبرَها منطلق

وزوجُكِ أعطى الأمانَ ، ولم
يَشك ، وحُقّ له أن يثق

لأنكِ أظهرتِ ما يَرتجي
من الحب ، والحبُ قيدٌ ورِقّ

وخادعْتِهِ بالأماني زهتْ
فأذهبتِ ما زاره من قلق

فأيقنَ أنكِ زوجٌ لها شأنُها
عن الأم والأخت لم تفترقْ

فوَقعَ (توكيلهُ) عازماً
على سَفْرهِ – للنجا - يستبق

وطالَ اغترابٌ غزاهُ الشقا
وكادَ المسافرُ أن يَحترق

وخدّاعة أدركتْ فرصة
فقد آنَ للمِلك أن ينسرق

وزوّرتِ عقدَك في خِسّةٍ
ويَحكمُ دنياك نصُ الورَق

وآلتْ إليكِ دِيارٌ بنى
ومُلّكْتِ جَوهرَهُ والوَرِق

وأبدِلتِ من بعد فقر غنى
وبات الغنى مِخذماً يُمْتشق

وعاديتِ زوجَكِ ، لم تعذري
وقوسُكِ في الحرب لم تنشرق

وأشهرتِ سيفكِ ، لم ترحمي
وقطعْتِهِ ، واسْتبحت المِزَق

وطالبتِ بالخلع ، مغرورة
إلى حتفها والفنا تستبق

وغرّكِ حِلمٌ تحلى به
وغرتْكِ أمواله والشقق

وبارزتِ بالإفكِ ، لم تصْدُقي
وبئسَ التخرصُ من منزلق

ولم تقبلي الصلحَ حلاً لما
بُلِيتُم به ، قلتِ: لم نتفق

وقوّضتِ بيتكِ ، يا للأسى
بشكّكِ والباطل المختلق

وغيرةِ بلهاءَ لم تدّكِرْ
فهاجَ السعارُ ، وطم الرهق

وأسْرتكِ اليومَ في فرقةٍ
ببحر الحياة تُعاني الغرق

ومَوجُكِ يجتاحُ ما عندها
من الفلكِ بالشط لم تلتحق

تعوقين ما حصّلتْ من نجا
ويردمُ عِندكِ حتى النفق

أمَا من رشادٍ يُعيدُ العُرَى
ويمحو من العيش هذا الغسق؟

حنانيكِ يا هذه ، واعقِلي
رَكِبتِ بهم طبقاً عن طبق

وسربلتِ عِيشتهم بالضنا
وأسقيتِهم عائداتِ الأرق

فتوبي عن الغدر أتقنتِهِ
وخلي اللجاجَ ، وفوتي المَلق

بناتُك كلٌ إلى زوجها
تتوقُ إلى حبها المؤتلق

وأبناؤكِ البُلهُ كلٌ إلى
بُييتٍ به زوجُه يا شَلق

وزوجُكِ يُفضي إلى زوجةٍ
تصونُ الودادَ بقلب شَفِق

تُعَوّضُهُ عن بلاءٍ مَضى
بما أوتيتْ مِن جميل الخلق

وتبقين وحدكِ ألعوبة
تلوكِين وَهمَكِ بعد الفرق

وقد تمضُغِين المَرارَ الذي
يُمَرّرُ خبزكِ بعد المَرق

جزاءً وفاقاً بما قدّمتْ
يداكِ ، فظلمُك يوماً سبق

وإن مِتِ أدمُعُنا قد أبتْ
هطولاً ، فقد جَمّدتْها الحِدَق

ويومُ القيامة يومُ القضا
ستلقين فيه عقاب النزق

مناسبة القصيدة

(كانت هذه الزوجة الشقية الفاشلة عَدوة زوجها وأبنائها وأسْرتها وأهلها ، ثم ما لبثتْ أن أصبحتْ بعد رَدح من الزمان عَدوة نفسها! ذلك أن خدعتِ الكل عندما تظاهرتْ بالسُنة والإخلاص والتديُن ، ولكنها ظهرتْ على حقيقتها أمام بريق المال! فنقضتْ غزلها من بعد قوةٍ أنكاثاً! وهدمتْ بيتها مع سبق الإصرار والترصد! وصارت أضحوكة ومَثلاً لكل زوجةٍ متمردةٍ قادَها تمردُها إلى الدمار والخِزي والعار! وتبدأ قصتُها المُزرية عندما اجتهدَ زوجُها البائس المسكين في تأمين جميع مستلزمات الحياة لأسرته من مسكن وملبس ومطعم ومشرب ومصادر دخل متعددة! وكانت له ممتلكات وعقارات هنا وهناك. وفجأة تضطره ظروفٌ قاهرة إلى السفر المؤقت ، ولما ضاقتِ الأحوالُ أكثر تحولَ سفرُه من مؤقتٍ إلى سفر طويل لا يَعلم متى ينتهي! ومن هنا احتاجَ الأمرُ إلى عمل توكيل رسمي عام لابنه الأكبر لينوب عنه فيما يُصلح من شأن العائلة. فإذا بالزوجة الراعنة الخائنة الغادرة تشحنُ الأبناء والبنات ضد أبيهم! وتُغيّر قلوبهم تجاه أبيهم! وراحت تتهمه بالاتهامات البشعة السلوكية منها والأخلاقية ، وأقنعت الابن الأكبر العاق ، بل الأشد عقوقاً ، بأن يبيع لها ممتلكاتِ أبيه بموجب التوكيل العام الذي معه. فلما تم لها ذلك تزامن مع عودة الزوج المسافر! وإذا به يجد الدنيا مقلوبة ظهراً على عقب! فلا الزوجة بالتي كان يعرف! ولا الأبناء والبنات بالذين كان يربي! ولا الأرض بالتي كان يعيش عليها! لقد قلبتِ الزوجة الفاشلة لزوجها ظهر المِجَن! مُدّعية أنه تزوجَ عليها على رواية! ورواية أخرى أنه ينتوي الزواج عليها! وأياً ما كان الأمر ، ما الذي يعيبُه إذا تزوج عليها لا أقول واحدة ، بل ثلاث زوجات؟! ألم يَكفلُ الشرعُ المطهرُ له ذلك بشرطي المقدرة والعدل؟! أليس هذا دينَ الله يا عدوة نفسها يا لكاع؟! وليت الأمرَ وقفَ عند هذا الحد! فلقد تدخلَ رجالٌ صالحون ونساءٌ صالحاتٌ بقصد الإصلاح والتوفيق! ولكنْ حالت غيرتُها العمياء وجهلها المُطبق وعنادُها المأفونُ دون ذلك! وزادَ حباتِ الطين بلة لجوؤها للقضاء تُطالبُ في مُذكرتها بالخُلع والطلاق للضرر والنفقة! الأمرُ الذي طلبتْ معه المحكمة التحققَ والتثبتَ فيه! ولا تزالُ الكُرة في أرجل اللاعبين ، والله تعالى وحده يعلم بالنتيجة! ولكن التوقعاتُ كلها تقول بفشلها الذريع عما قريب! قياساً بقضايا أخرى مماثلة! وقريباً تبوءُ كل محاولاتها بالفشل ، وتعود ممتلكاتُ الرجل إليه ، ويتزوج خيراً منها ، وتتزوج بُنياتُها ويَخْلين إلى أزواجهن ويتفرغن لتربية أولادهن ، ويتزوج أبناؤها ويخلون إلى زوجاتهم ويتفرغون لتربية أولادهم! وتبقى وحدها تجُر أذيال الخيبة والخِزي والندامة! ككل ناشز غبية تُقوّضُ أركان بيتها وتقتلُ نفسها وتهدمُ بيتها ، لا لشيءٍ إلا الجري وراء الظنون والغيرة الهدامة التي أكلتْ قلبها وعقلها ورُشدها! ولن يتزوجها أحد ، لأن قصتها سرعان ما انتشرتْ ، وفاحت روائحُ فضيحتها! فكانت هذه القصيدة تلخيصاً لما قامت به عدوة نفسها وزوجها وأبنائها وأسرتها وأهلها!)
© 2024 - موقع الشعر