بريءٌ دَهته المنايا - أحمد علي سليمان

أسمعتَ بالصمت مَن به صممُ
لمّا اشتكى إجرامَ العُتاةِ دمُ

أبّنتُ فيك الطفولة انتحرتْ
ودمعُ عيني عليك ينسجم

أدميتَ قلبي جوىً ، فذبتُ أسىً
وهزني في المصيبة الألم

حتى سألت الكِفارَ مبتئساً
ما ذنبُ هذا؟ أماتت الرُحُم؟

طفلٌ برئٌ غدا لكم هدفاً
وهل مِن الطفل الظلمُ ينتقم؟

في أي شرع تجوز فعْلتكم؟
وهل تُجيز التجبّر النظم؟

وأي جُرم جَناه يا همَجٌ؟
وهمه المُلهياتُ لا الجُرُم

أطاوعتْ جندَكم عواطفهم
تلك التي تشكو ظلمَها الأمم؟

وهل لكم في القتال فلسفة؟
أم جندلتْ في الضمائر القِيم؟

لا تفرحوا ، فالأجيالُ تعلمُكم
وليس تخفى الصُوى ولا السيم

وذات يوم تزولُ صَوْلتكم
والظلمُ رغم التهويل ينهزم

ويأخذ الطفلُ ثأرَه فرحاً
وتنجلي المُعضلاتُ والإزم

وتستعيدُ الديارُ عِزتها
وتنتهي الترّهاتُ والتهم

مناسبة القصيدة

بريءٌ دَهته المنايا (في إحدى غارات العِدا على أرض الرباط ، وما أكثرها ، وعلى الباغي من الله ما هو أهله ، أتى الدور على طفل في جملة أطفال. وبدت ملامحُه البريئة غارقة في دمائه الطاهرة. لقد كان النبي – صلى الله عليه وسلم - يوَدِّع السرايا موصِيًا إياهم: "...وَلاَ ‏تَغْدِرُوا...". ولم تكن هذه الوصية في معاملات المسلمين مع إخوانهم المسلمين ، بل كانت مع عدوٍّ يكيد لهم ، ويريد الانتقام منهم ويعد العدة لهم ، وهو حريصٌ على إبادتهم ، ويجمع لهم ، وهم ذاهبون لحربه وقد وصلت أهمية هذا الأمر عند رسول الله – صلى الله عليه وسلم - أنه تبرَّأ من الغادرين ، ولو كانوا مسلمين ، ولو كان المغدورُ به كافرًا ؛ فقد قال النبي – صلى الله عليه وسلم : "مَنْ أَمَّن رَجُلاً عَلَى دَمّهِ فَقَتَلَهُ ، فَأنَا بَرِيءٌ مِنَ القَاتِل ، وَإِنْ كَانَ المَقْتُولُ كَافِرًا". رواه البخاري في التاريخ الكبير ، واللفظ له ، وابن حبان ، والبزار ، والطبراني في الكبير ، وفي الصغير ، والطيالسي في مسنده ، وأبو نعيم في الحلية من طرق عن السُدي عن رفاعة بن شداد. وقال الألباني: صحيح. وكان رسول الله –صلى الله عليه وسلم - إذا بعث جيوشه يقول لهم: "لاَ تَقْتُلُوا أَصْحَابَ ‏الصَّوَامِعِ". وكانت وصيته للجيش المتجه إلى مؤتة: "‏اغْزُوا بِاسْمِ اللهِ فِي سَبِيلِ اللهِ ، قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاللهِ ، اغْزُوا وَلاَ ‏تَغُلُّوا‏ وَلاَ ‏تَغْدِرُوا ‏‏وَلاَ ‏تُـمَثِّلوا ، ‏وَلاَ تَقْتُلُوا وَلِيدًا ، أَوِ امْرَأَةً ، وَلا كَبِيرًا فَانِيًا ، وَلا مُنْعَزِلاً بِصَوْمَعَةٍ". أخرجه الإمامُ مسلم في صحيحه كتاب الجهاد والسير ، باب تأمير الإمام الأمراء على البعوث ووصيته إياهم بآداب الغزو وغيرها ، وأبو داود ، والترمذي ، والبيهقي. فأنشدتُ من المنسرح:)
© 2024 - موقع الشعر