من أرشيفِ الغربة - أحمد علي سليمان

غربتي طالتْ وآذاني الشقا
فمتى – بالأقربين - المُلتقى؟

هذه الغربة أمستْ شبحاً
يسرق العمرَ ، ويُزجي العَسْلقا

ولظاها مُوقدٌ نارَ الجوى
والغريبُ ما له - فيها - بقا

باغترابي نالَ كلٌ إربَه
وأنا – وحدي - ألوكُ المَأزقا

عذبتْني غربتي بين الورى
كيف يحيا المرءُ يجترُّ الشقا؟

وحده يبكي بدمع حائر
بات - بالأغلال جَبْراً - موثقا

يفتح الأرشيف لا يلقى سوى
غربة تُزجي أساها منطقا

أكلتْ عمري وبأسي عنوة
وأعارتْني - بكلٍّ - مزلقا

والكتابات ثوتْ ، تشكو النوى
لم يجُلْ - في خاطري - أن تُسرقا

إذ عليها قد سطا مستهزءٌ
وعليها بيته قد أغلقا

ثم إنْ عُوتب أرغى مزبداً
وإلى الإنكار كان الأسبقا

حاز أسفاري ، بلا أدنى حيا
إنني أمقتُ هذا الأخرقا

مستحِلاً كل شيء كان لي
خائناً عهدَ الإخا ، والمَوثقا

وبهذا زادَ ضنكاً غربتي
حاملاً سِكينه ، والبيرقا

مناسبة القصيدة

(اغترب هذا البائس عن أهله لسنوات. فقام بعضُ أهل الأغراض من ذويه بالاستيلاء على كتبه وممتلكاته التي قد تركها عند الأهل أشبه وأقرب ما تكون بالأمانة. فلما رجع رثى للحال وأخذ يقلب أوراق الغربة من أرشيفها. والأصل أن يحافظ الأهل على مُقتنيات ابنهم إن كانوا أهلاً حقيقيين! أما أن تكون ممتلكات الغائب نهباً للسِباع والضواري ، فهي إذن أعراف الغابة وتقاليد الأوابد والوحوش! تلك الأعراف والتقاليد التي لا تحترم ملكيات فردية ولا خصوصيات لآخرين! قول صلى الله عليه وسلم: {أربعٌ من كن فيه كان منافقاً خالصاً ، ومن كانت فيه خصلة منهن ، كانت فيه خصلةٌ من النفاق حتى يدعها: إذا أوتمن خان ، وإذا حدث كذب ، وإذا عاهد غدر ، وإذا خاصم فجر} رواه الشيخان. وأيضاً: {لا إيمان لمن لا أمانة له}.)
© 2024 - موقع الشعر