نهج نهج البردة 1425هـ - أحمد علي سليمان

مِسْكَ القريض أفضْ مِن زهركَ الفغمِ
وابعثْ أريجك عن بُعدٍ وعن أممِ

وامنحْ عبيرَك شعراً يَستنيرُ به
واغمرْ يراعته بنورك التمم

وهاتِ مِن جؤنة الأشعار ملحمة
من البيان ، مَداها غيرُ مُنبهم

وضمّخ الشعرَ بالريْحان ، إن له
شذىً يفوحُ ، فيَفري لجّة السأم

وزخرفِ اللفظ بالنسرين تهفُ له
رُوحُ البديع ، فتزكو همّة الكلِم

واعمَدْ إلى المَندل المِعطار ، إنّ له
في عالم الشعر نفحاً عاطرَ النغم

واصبُغ بصَندلك الفوّاح جبهته
لتُذهِبَ الحَزَنَ المَعجونَ بالألم

وبالخزامى أفضْ يا مِسكُ في كرم
فالجُودُ بالعطر مِن بُحبُوحة الكرم

وبالبنفسج جَمّرْ عَذب مَبسمه
وألقهِ بفؤادٍ فيك مُبتسم

وذوّب النرجسَ المَحبورَ في ولهٍ
فالشعرُ بالعِطر يُردي غصّة الغمم

وبالقرَنفل بَخرْ صورة بَرَزتْ
تتيهُ فخراً بشعر نابهٍ فقِم

بالجُلّنار فخضّبْ ما أسطرهُ
شِعراً تضلع مِن فحوى عزيز دمي

وادهنْ بعنبرك الإيحاءَ مرتقباً
طيفَ القريض أتى مِن شيّق الحُلم

ونسّم الشعرَ بالكافور يَسْمُ على
شدو البلابل في مسامع القِمم

وطيّب الحَرفَ بالخطمِيّ في ألق
لأن في الشعر ألواناً مِن الحِكَم

وجُدْ بسوسنِك الأجواءَ عابقة
ففي القريض يواقيتٌ مِن الشِيم

بالياسَمين تعقبْ كل قافيةٍ
حتى تزيدَ سنا الترجيع والنغم

وبالورود تناولْ ما أبوحُ بهِ
مِن القريض بلا عِيٍّ ولا لسَم

بالزعفران تخللْ شعرَ مُرتجفٍ
يَغوصُ في الوزر والعِصيان والأثم

وغطِ بالفل أبياتٍ أسَجّلها
والشعرُ بالصدق عَفٌ غيرُ مُنهزم

وبالأراكِ فسوّكْ ثغرَ مُنشدِهِ
إن الخلوفَ يُناوي لذة النهم

وبالزبرجد زيّنْ جيدَ صورتهِ
وزدْ نضارته بلامِع القضم

وبالزمُرّد طرّز ثوبَ لهجتهِ
بعقد نور - على الأبيات - مُنتظم

وبالعقيق تتبعْ نورَ عزمته
حتى يُفارقه مُحلولكُ الظلم

وزركش الشعرَ بالفيروز مُحتفياً
بخير مَن سار في الدنيا على قدم

وحَل بالماس - برّاقاً - مَقاطعهُ
ومُجّ عِطرك في القِرطاس والقلم

وجمّل الوزنَ بالمَرجان يُتحِفهُ
فكسْرُ وزنِك يُردي رقة الرنم

باللازوَرْد فذهّب قاعَ مُخمَلهِ
حتى يفوقَ ضياءً طلعة النجُم

وافرشْ مِن السندس اللمّاع نمرُقة
وانصِبْ خيامَك فوق الأرض بالدعم

وباللآلئ لِجْ (بحرَ البسيط) ، فلا
تدعْ حُداه ، فهذا بحرُ ذي الهمم

وضعْ صداه على الديباج ، وارق به
رُقِيَ مُحتسب بالله مُعتصم

لأن كاتبه يُهديه في شرفٍ
لخير خلق مليك الناس كلهم

(محمدِ) الحق هادينا ومُرشدِنا
رسول رب الورى للعُرْب والعَجَم

ومَن به أنقذ الرحمنُ عالمنا
مِن الضلال ومِن ظلْم ، ومِن ظلَم

نبيُّ سِلم وتوحيدٍ ومَعدلةٍ
وصفوةُ الله حقاً سيدُ الأمم

رسولُ مرحمةٍ مُثلى ومَلحمةٍ
أحيا الأنامَ بهذا المنهج اللقم

حاز المعاليَ ذا في كل مَنقبةٍ
أحيا المليكُ به الدنيا مِن العَدم

جَلتْ عن الوصف أخلاقٌ به اقترنتْ
ولا حدودَ لمَا يَعروهُ مِن قِيم

صلى عليه مليكُ الكون ما طلعتْ
شمسٌ ، وجَنّ هزيعُ الليل بالسَخم

دعا إلى الله في سِر وفي عَلن
لم يخشَ بأسَ كفور القلب مُجترم

وكم غزا لتُرى للحق عِزتُه
فلا يذوقُ أذىً بسيفِ ذي غشَم

وحربُه سَطعتْ في كل مُعتركٍ
تُقيمُ شرعاً ، ولا تأوي لسفك دم

فحرّر الناسَ من أغلال مَن عبدوا
غيرَ المليك مِن المَخلوق والصنم

عفا عن الناس لمّا صار منتصراً
فقيل: أنت أخ يحنو على الرحم

فقلتَ: يا قوم في هذي الدنا انطلقوا
ويسلم اليومَ مَن يلوذ بالحَرم

ومَن إلى داره يأوي ففي دَعَةٍ
فلا سبيلَ إلى ثأر ولا نِقم

ومَن لدار (أبي سفيانَ) يأو فلا
يخافُ هضماً ولا شيئاً من القصُم

سماحة لم ترَ الدنيا لها شبهاً
وعِفة تُوِّجَتْ بالعِز والشمم

وقلبُ (أحمدَ) لا قلبٌ يُضارعُه
خلا مِن الغِل والبُهتان والوَغم

ولقن الكفرَ درساً لا يُجاوزه
على شواظٍ مِن التوحيد مُحتدم

وأمسك السيفَ في (بدر) يَذودُ به
كأنه أسدٌ قد هِيجَ في الأجُم

وعَلّم الأمّة العصماءَ شِرعتها
فزادَها شرفاً بالمَنهل الشبم

وبات حاكمَها ، وبعدُ قاضيَها
أكرمْ بأحمدَ مِن قاض ومِن حكَم

وعاش أسوة مَن أخلاقة اتبعوا
مَن يَتبعْ هديهُ الوضّاءَ يَستقم

وجَلّ في الوصف عن سُوآى ومَنقصةٍ
وجَلّ عن مُنكر يُزري وعن كَثم

رعَى الجوارَ ، فلم يَغدِرْ وإن غدَروا
والغدرُ أخبثُ ما في الأرض من جُرُم

وبالبيان تحَدّى كل ذِي أدب
قرآنُ ربك باري الخلق والنسم

والمعجزاتُ على يديه قد بَهرتْ
ألبابَ مَن عقلوا ورؤية النهم

ثم القراْن أتى للناس معجزة
يَهدي الأنامَ إلى المُهيمن الحَكَم

ثم النبيُّ يُجَلّي كل غامضةٍ
لكنّ شانئَهُ - عن الرشاد - عمي

تبارك اللهُ مَن بالحق أيّدهُ
فراحَ يدعو بلا ضعفٍ ولا وهَم

وبايعَ الصَحبُ في عِز نبيّهمُ
أنعمْ بهم في الورى من سادةٍ لِزم

كانوا الزهورَ بوادٍ غير ذي زهر
واللهُ بارك في أزهاره الفغم

كانوا النجومَ لسار في دياجره
والصِيدَ إنْ وُجدوا في شِدة القحَم

همُ الصناديدُ إن ضاق العدوّ بهم
ذرعاً ، وأبدى لهم أحوالَ مُنتقم

ويحتمون بخير الخلق في ثقةٍ
حيث النجاة لهم إذا الوطيسُ حمي

والكل يَفدي رسولَ الله مُحتسباً
إن طاش سيفٌ بَغَى أو بالسهام رُمِي

تقبلَ الله ، يا جيلاً نتيهُ بهِ
يا رب فارضَ عن الرئبالة الكُرُم

تفرّد الجيلُ بالقرآن تربية
فراح يَرفلُ في الأفضال والنعم

واليومَ يُظلَم في تقييم مَن جهلوا
وحوله نُسِجتْ كم مِن فِرىً جُسُم

يُنالُ منه بلا ذنب جنته يدٌ
وعنه تكتبُ أيدي العِير والعَجَم

مُجلداتٍ تعاف العينُ رؤيتها
وأمسياتٍ تُصيبُ الأذنَ بالصمم

وتُرّهاتٍ عن الأصحاب باطلة
تُغري العِدا ، وتُغذي النارَ بالحُمم

بالأمس مِن حَربة الأعداء ما سلموا
فجرّعوهم كؤوسَ الحرب عن رغم

واليومَ يَطعنهم أبناءُ مِلتهم
بالغمز واللمز والتجريح والقلم

بحرٌ يَموجُ بتلفيق ومهزلةٍ
ويُزهقُ الحقُ في أمواجه البُهُم

والكيدُ طال نساءَ المصطفى طرباً
وما تورّعَ عن فحش وعن لمم

وأمّهاتُ نساء المؤمنين على
أوراقهم مِزقٌ طابتْ لمُلتهم

مِن كل مُهترئ الأخلاق مُرتكس
يَمجُ زيفاً عن الكرائم العُصُم

حتى الروافض مَن ضلوا ومَن فسقوا
يُؤججون أوارَ الدسّ والوَصَم

تناولوا بمِداد الإفك (عائشة)
و(ابنُ السلول) لهم نارٌ على علم

تطاولوا ، وجميعُ الناس تعرفهم
وأشعلوا فتنة تعُجُ بالضرم

وكذبوا بصريح النص يكبتهم
وبئسَ قومٌ غلوْا مِن فسّق غشُم

هي البريئة ، والقرآنُ شاهدُنا
جلتْ عن الإفك والتخريص والتهم

نحِبها ، ونحبُ الأمرَ تشْرعُهُ
وشمسُ سُؤدَدِها ، واللهِ ، لم تغم

نُجلّها ، ونُجلّ القولَ تذكرهُ
عن النبي بلفظٍ جدُّ مُحترم

بنت التقي (أبي بكر) ، وذا شرفٌ
أكرمْ به مِن عفيفٍ مُنفق حَشِم

و(حَفصة الخير) لا ننسى مواقفها
فإن سِيرتها تروقُ ذا فهُم

جلتْ عن الوصف في دين وفي نسب
وجُودُها في المعالي ليس بالأمم

ويوم طلقها (المختارُ) طلقتها
أتاه (جبريلُ) في مَهوىً لدى إضَم

يُقري السلامَ على سمع النبي ضُحىً
مِن الإله الرحيم المُقسِط الحَكَم

راجعْ (حُفيصَة) ، هذي نِعمَ مؤمنة
وإنها ساعدٌ في حالكِ الإزم

صَوّامة ، حبّذا الصيامُ منقبة
لولا اتباعُ الهُدى والحق لم تصِم

قوّامة ، خيرُ ما تأتيهِ مُسلمة
لولا مجاهدة الشيطان لم تقم

فردّها ، وجراحُ (الحفص) ما اندملتْ
تبكي دماءً ، وتُبدي حَسرة الندم

بنتُ المُهاجر - رغم الكيد - في عَلن
والجو يَعصفُ بالأرياح والديم

والكفرُ شمّرَ عن سواعدٍ حَملتْ
سيوفها ، ورجالٍ في الوغى بُهُم

فقال: أقتلُ مَن يأتي يبارزني
كالحُوت يفتكُ إما شاء بالبلم

أهاجرُ الآن لا أخشى صوارمَكم
وسيفنا - في الدواهي - غيرُ مُنثلم

وأستهينُ بفرسان تُحمِّسُكم
ليَ الحياة ، وأنتم في دُجى العدم

فإنْ قتلتهمُ ضاعت عوائلهم
لقد يُعانُون وخزَ الأيْم واليُتم

خاضَ الغِمارَ فأجلى كل داهيةٍ
لأنه بطلٌ في الحرب خيرُ كمي

ثم اعتلى (عمرُ الفاروق) دولتنا
فوطدَ العدلَ ، يَروي أنجعَ النظم

وعاش ليثاً يَرى الأعداءُ صولته
نصيرُ مغتصَب الحقوق مُهتضَم

كان الرحيمَ بأهل السِلم أجمعِهم
عليهمُ قلبُه يفيضُ بالرُحُم

وكان عونَ أبي بكر إذا اندلعتْ
نارُ الخلاف برأي غير مُنصرم

للهمّ فارضَ عن (الفاروق) ، إنّ له
فضلاً على جيلنا مُستشرق العِظم

يا رب وارضَ عن الصدّيق ما اكتحلتْ
عينٌ بغمض وفي الأحداق قطرُ دم

قد آمَنا برسول الله ، وامتثلا
ليُدخل اللهُ كلاً جَنة السَلم

كذا (عليٌ وعثمانٌ) وآلهمُ
أنعمْ بهم وبأهليهم وبالخدم

يا رب وارضَ عن الأصحاب ما بقيت
نفسٌ تتوقُ إلى شفاعة الهَشِم

على العدالة هم ، رغم الألى انحرفوا
ومَن يدُسّون أعتى السُم في الدسم

اختارهم ربُنا عوناً لأسوتنا
كانوا البدورَ تُجَلي شِدة العسم

أهدي إليك سلاماً يا نبيُ ، وبي
شوقٌ إليك ، ولي شيءٌ مِن العَشم

بأن تكون شفيعي عند خالقنا
في يوم بعث الورى مِن رقدة الرُجُم

لم نتبعْك كما تحبُ أنت لنا
ولم نحافظ على آل ولا ذِمَم

وقطعتْ - بيننا - الأرحامُ في وضَح
يا ويح فرقتنا مُسْودةَ العَرَم

ولم تُحَكّم كتاب الله أمتنا
حتى استهانت بوحي الله والحُرُم

والشرعُ يَعصِمُ مَن يَحيا يطبقهُ
ومَن قلاه فما للغِر مِن عِصَم

وفي الديار مناطيقٌ فلاسفة
وعند حق يُصابُ الكل بالبكم

في كل صُقع قوانينٌ مُحكّمة
رغم التقارب في البُلدان والتخم

وللزنا والخنا في الدار قد بُنِيتْ
شتى الصروح ، وفيها أفسقُ النسم

أما الربا فله البنوك رافعة
لواءَ حرب على الجبار كالعلم

إني لأقسِم أن الدار قد بعدتْ
ولستُ أحنِث إن أقسمتُ في القسم

أكادُ أقطع أن الأمة انحدرتْ
إلى الحضيض ، وعانت جيفة الرمم

ولو رآها رسول الله أنكرها
ولا يرى أن هذي أمة السَلم

لأنها بدّلت أحكام خالقها
حتى تداعتْ عليها أكفرُ الأمم

فأرخصتْ عِرضها وأهدرتْ دمها
لولا تنكرُها للحق لم تُرَم

تعيدُ ذكرى (ثمودٍ) في تكبّرها
وتأخذ البطرَ الممقوتَ عن إرم

تناستِ المجدَ يسري في حواضرها
وبالمعاصي زهاءُ المجد لم يَدم

واليومَ قسِمتِ الديارُ بين قوىً
تلوكُ ثروتها ، أبئسْ بذي القِسَم

وقد تداولها الذؤبانُ في شَرَهٍ
كما تُداوَلُ قطعانٌ مِن الغنم

إذا تنازل ليثٌ عن مكانته
لقد يلوذ بها حَشدٌ مِن الحَلم

كنا جَهابذة في كل مُعتركٍ
والبأسُ يَصحبُنا في كل مُصطدم

يُحدّث الناسَ عنا ما نمارسُه
مِن مبدأ - في المعالي - غيرِ مُنكتم

والفرسُ والرومُ خافوا مِن كتائبنا
كم أنزلتْ بهمُ مِن أشرس القصُم

كانت صَياقلنا في الحرب ماضية
منها يذوقُ العِدا مُحلولك السُدم

وفي العلوم ضربنا خيرَ أمثلةٍ
كنا نرى الجهلَ أخزى مَرتع وَخم

في الطب كانت لنا أبحاثُ كوكبةٍ
وفي البحار وفي الأفلاك والأكَم

وفي الحساب لنا مباحثٌ حُفظتْ
والغربُ يَنهلُ في حِرص وفي نهم

وفي التداوي سبقنا مَن يناوئنا
في درب علم عجيب السر مُعتلم

وفي السلاح خبرْنا كيف نصنعُهُ
والفضلُ يرجعُ للمَنان ذي النعم

كنا نطبّقُ شرعَ الله نحرسُهُ
حبلُ المليك لنا مِن خير مُعتصَم

ننفى الشريك عن الرحمن نعبدُهُ
ونخلِص الدين ، نرعى بَيضة القيم

عفواً رسولَ الهُدى ، فالشعرُ شجعني
وانهالَ فوقي كمثل الوابل الرَذِم

إني إلى الله أشكو حال أمتنا
تعيش في كُرَب تزجي الأسى دُهُم

كالعِيس تحمل ماءَ المُزن ظامئة
يا عِيسُ فلتشربي من مائكِ الشبم

أو كالنياق وفيها الماءُ مُدخرٌ
تشكو الظِماءَ ، فيا للأنيق الرُسُم

يا أمتي دونكِ القرآن فاتبعي
ألمْ يقل غيرُنا هذا مِن القِدم؟

صلاحُ أمركِ في الإسلام ليس سِوى
فيمَ التشاغلُ بالأغنام والنعم؟

والشرعُ يقصمُ غرباً بات يسحَقنا
كيف التقلبُ في أهوائه القصُم؟

عذراً رسولَ الهُدى ، فالأمة انتكستْ
تئنُ خائفة في ثوب مُنهزم

تحتاجُ شِعر فتىً فذٍ يُذكّرها
أنعمْ بشعر فتىً فذٍ ومُعتزم

شط القريضُ ، فصِيغتْ منه ملحمة
فيها الجيادُ تحدّتْ شِدة الشُكُم

وطرّزتْ بالجَوى أجراسُ قافيةٍ
مثلَ الأساور في الأقدام والعُصُم

وكنتُ أنوى قصيداً فضّ جُؤنتَه
يكاد يُروى إذا شمَّ العبيرَ ظمي

يُهدَى إلى المصطفى في بُردةٍ شرفتْ
جهيرة اللفظ ، لا تشكو من البَكَم

رطيبة الجرْس لا إقواءَ يُزعجها
ولا تُبالغ في تصويرها القصَم

ولا تُجرّحُ مُعْوجاً ، فيَحرقها
ولا تُخمّشُ جُرحاً غيرَ مُلتئم

لكنها خرجت - بالرغم - مُشهرة
صمصامة النقد والتقييم بالقلم

تبيّن الحق ، فالتوضيحُ ديدنها
من بعد نكبته على يد العِمَم

وأغلبُ الناس لا يدري معالمه
ونورُه غاب عند العالة الوَثم

وكنتُ حبّرتُ بالعطور مَطلعَها
حتى تبدّدَ ما في النفس من بَشَم

أردتْها غادة تطغى شبيبتها
ولا تُغالب أوجاعاً من الهِرم

أردتُها غضة تُزجي الحُبورَ لنا
لكي تُصارع ما في القلب من وَجم

أنا المقصّرُ في تعتيق زبدتها
حتى بدا شكلها لحماً على وضم

شَتان بين القريض العذب ينسِجُه
مَن يستعيرُ له مِن فنه العَمم

وبين آخرَ لم تُخدمْ مَقاطعُه
أمارة روعة الفحوى على الخِدَم

شتان بين الجواد الفحل تُلجمُه
وآخرٍ يُعتلى قهراً بلا لجُم

والشعرُ إن تسقِه سَبكاً وتجربة
يُذهبْ مِن النفس فوراً سَوْرة السدم

إن جلَّ لفظ على الإيضاح فسّرَهُ
لفظ تمطى على بعيره السنم

بعضُ القريض غذاءُ الروح مِن سغب
وبعضه كطعام غير مؤتدم

طوراً يُمدك بالآمال مُشرعة
وفجأة يُدخل الإنسان في الأدَم

وقد تراه لمَا يُضنيك منتحباً
تبكي سرائرُه مِن شدة الجشم

وقد تراه لمَا يُشجيك في مرح
يفوقُ في شدوه ترجيعَة الرُنم

يذوبُ - وَجْداً - إذا يلقاك مُكتئباً
يبدو بوجهٍ من الأحزان مضطرم

يطيرُ - في الجو - صَدَّاحاً بأجنحةٍ
أمضى إذا انطلقت تسمو مِن الرَخَم

يُغردُ الدهرَ إن كانت بُلهنية
ويستقرّ على الآفاق والرَكَم

ويحملُ السيف في الهيجا إذا اندلعتْ
أنعمْ بسيفِ قريض قاصل خذم

وقد يُريقُ دمَ الأعداء مُنسكباً
فوق البطاح ، كنهر فاض في الدلم

وقد يحنُ إلى ماض فيذكرُهُ
حنينَ طفل يُعاني لوعة اليُتم

يَهيمُ في ذكرياتِ الأمس قاطبة
حَلَتْ لديه ، وإن لم تحْلُ لم يَهم

والذكرياتُ غِذاءُ الشِعر إن صدقتْ
وإن تردّتْ فهذي مِعولُ الهَدَم

والشعرُ يصفو إذا ما الذكرياتُ صفتْ
وإنْ تكدرتِ استولى على السحم

تخبو الفنونُ ، وشعرُ العُرْب مُستبقٌ
نحو الذرى فوق هذي الأرض كالهرم

ديوانُ عُرْب حوى شتى وقائعِهم
مذ كان سادُنُهم يحثو لدى الزلم

وكان يدخلُ في أرحاب خندمةٍ
خلف التلال ، وعبْرَ الرمل والتلم

فلا يخافُ جحيمَ الموت يَقطفه
ولا يهابُ سعير القيظ والتهم

فينقل الحرب مِن بين السيوف دَما
حتى تسطر - في القرطاس - بالقلم

شِعراً صدوقاً له التاريخ مُنتصِتٌ
عند الخلاف ، يُداوي كل مُحتكم

أهدي السلامَ إلى المُختار مُختتماً
والسِلم أفضلُ مَبدوءٍ ومُختتم

صلى المليكُ على الحبيب أسوتنا
وأفضل الصحبِ مِن عُرْب ومِن عَجَم

والتابعين لهم في الدين أجمعِهم
إلى لقاء المليك الواحد الحكم

مناسبة القصيدة

(قرأ معلم لغة عربية زميل قصيدتنا: نهج نهج البردة ، والتي نشرت من قبلُ في ديوان: (الأمل الفواح) سابقاً. وعلق الأستاذ الفاضل بأنها لم تكن بمستوى البيان المتصور. فوعدته بأنني سأقوم بكتابة نهج جديد للبردة في مستقبل الأيام ، وهذا إن قدر الله لي وشاء وجاءتني المَلكة الشعرية بالإيحاء والصورة. وقد كان ، فأحسست بجنين البردة يتحرك في ضميري. فأهديتُ سيدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهجاً جديدا للبردة: أتحدث إليه فيها لست متوسلاً به – معاذ الله – فهذا شرك لا يرضاه لنا رسول الله قط ، ولكن أكلمه من مشربية (السلام عليك أيها النبي ، ورحمة الله وبركاته). كما أنني لست أشكو له الحال ، فإن ذلك لا يكون إلا لله سبحانه. بل أقارن حال الأمة المسلمة اليوم بحالها بالأمس. وذلك في باقة عطرة من الجمال ، الذي يناسب الحديث إلى الرسول النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم -.
© 2024 - موقع الشعر