نسيم الشوق - أحمد علي سليمان

نسيمُ الشوق يلهو في الحنايا
وحب البذل من خير السجايا

تجمَّلْ بالعطاء تعش كريماً
وتلقى السعد في دنيا البرايا

ولا تجزعْ إذا لم تُعطَ شيئاً
وأحسنْ في الفِعال وفي النوايا

وأقصرْ عن سؤال الناس شيئاً
فهذا القول من خير الوصايا

وكنْ - في الناس - مِقداماً شجاعاً
إلى العَليا ، وليس إلى الدنايا

وأرضِ الصالحين ، وكن لطيفاً
وجُد - بالمكرمات - تحز رضايا

وعطر بالنصيحة كل قول
فهذا منك من أندى العطايا

وأقلع عن مجالسة الندامى
وغض الطرف عن حسن الصبايا

رخيصٌ ذلك الحُسن المعرَّى
وأرخصُ منه مستورُ البقايا

بلاءٌ عمّ دنيانا ، فظيعٌ
ومات الستر مِن فرط البلايا

ولكنْ معدنُ التقوى أصيلٌ
فلا تسلكْ دهاليز الخزايا

ولا تؤذِ الكرام ، وكن نبيلاً
فهذي من كريمات المزايا

ولا يشغلك ظل عن ضياءٍ
وكن جلداً إذا دَنتِ المنايا

وعشْ لعقيدة التوحيد ليثاً
وضعْها في فؤادك والحنايا

وكن رجلاً على البلوى قديراً
ولا تكُ ناشراً مُر الخفايا

وكن فطناً إذا استودعتَ سِراً
كأن السر في دمكَ الخلايا

وكن متواضعاً للعلم دوماً
فإن العلم والتقوى مَرايا

وكن مترفعاً عن كل ذل
فإن الذل مِن طبع المطايا

وعش حراً لك الدنيا ذلولٌ
وهذي أحرفي نعم الهدايا

وإن روودتَ عن حق فموتٌ
ومَرحى بالمصائب والرزايا

وعمرُ المرء غال ، ثم أغلى
من الدنيا رضا رب البرايا

سَرابٌ هذه الدنيا حقيرٌ
وهذي من بَديهات القضايا

فلا تجعلْ لها في القلب حظاً
وجَنبها فؤادَك والطوايا

وحَلقْ في سماء العز بدراً
وذرَّ النورَ في كل الزوايا

مناسبة القصيدة

نسيم الشوق (لقد كان عنوان هذه القصيدة (عطر الجوى) ، ثم غيرته بعد ذلك. إن تغيير عنوان القصيدة من (عطر الجوى) إلى (نسيم الشوق( يرجع إلى المنشد الإماراتي أحمد بو خاطر. حيث إنه أنشد هذه القصيدة من ديواني الأول (نهاية الطريق). وكان أحمد أبو خاطر قد غيَّر عنوانها هكذا ، وتصرف في أبياتها ، فقدم وأخَّر وغّيَّر وبدّل بما يتناسب مع رؤيته وتصوره دون علمي أو استئذاني. وكانت الأنشودة في ألبومه: (دعني) ، كما أنه كتب على غلاف الشريط أن اسم الشاعر الذي كتب هذه القصيدة (أحمد عبد الرحيم). فجزاه الله خيراً أن اختار من شعري وأنشد ونفع الله به. آمين. ولكنني هنا أعتب عليه أشد العتاب لأن معاملة الفكر بهذه الطريقة ليست تجوز في ديننا. وكنت قد اتصلت به ولمته على ذلك ، فاعتذر وسامحته ابتغاء مرضاة الله. وحظه أنه من المنشدين الإسلاميين! ولو كان من الجاهليين (هشتك بشتك) لتمسكت بحقي مهما كلفني ذلك! ووعدني أحمد بو خاطر أن يأخذ من أشعاري وينشد ، الأمر الذي لم يف به إلى الآن! وأظنه لن يوفي به إلا أن يشاء ربي شيئاً! ذلك أن أغلب المنشدين لا يرون حقاً للشاعر الذي كتب! ولذا فمعظمهم يعمد إلى شعر التراث ، لا حباً في التراث ، بل لأن أصحاب هذا الشعر التراثي قد ماتوا منذ مئات السنين! وأنا الآن أنشر هذه القصيدة بنصها الأصلي في ديوان السليمانيات ليعرفها الناس كاملة. أعود إلى القصيدة فأقول بأن الجوى في حقيقته هو أنين القلب ونحيبه وعذابه! فكيف إذن نعنون لقصيدة بـ (عطر الجوى)؟ إن المعنى الذي أقصده هنا هو التعلم من المحن والتجارب ، واستنباط الدروس والعظات والعبر منها. إن المحن التي يمر بها الإنسان في هذه الحياة جديرة بأن تكون - بالنسبة له - مستودعاً للتجارب والعبر والدروس. وإذن فلم تمر عليَّ - ولله الحمد – محنة ، إلا وتوقفتُ عندها طويلاً ، وأمعنتُ فيها النظر مراتٍ ومرات ، حتى أستلهم كل عبرةٍ أنتفع بها ، ثم أديلها بعد ذلك لغيري من العشيرة والأقربين والأهل ، ومن بعدُ أديلها إلى أهل ملتي وعقيدتي ، فهم أولى الناس بي ، وأنا أولى الناس بهم. وأسأل: هل للجوى - إذا نحن عرَّفناه بأنه أنين القلب - عطرٌ وأريج؟ والجواب: نعم ، إنه أريج التجربة عندما ندرسها وننتفع بها ، ونذعن للدروس الجميلة المستقاة منها. وقصيدة (عطر الجوى) أو (نسيم الشوق) على حد تعبير أحمد بو خاطر ، إن هي إلا مجموعة نصائح أهديها لكم ملخص.
© 2024 - موقع الشعر