ارجع إليا - محاكاة لنزار قباني - أحمد علي سليمان

متى ستُدرك كم فرحتُ يا رَجُلي
فرْحاً تتيه به الدنيا ومن فيها؟

يكاد يذهبُ بي الحُبورُ مذهبه
والنفسُ تختالُ في ساح الرضا تِيها

أنا حمدتُ إلهَ الناس مُوقنة
نفسي برحمة ربي اليوم تُشجيها

وأسعَدتْ دارنا أحلى مُكالمةٍ
وذِكرُ رب الورى أضحى يُحليها

ولو رأيت زواياها وصالتها
وللسرور صَدىً يغشى مَغانيها

وللنوافذ تغريدٌ يُشوّقنا
وللستائر ترجيعٌ يُسليها

وللحوائط ألوانٌ تُزخرفها
برغم أن لم تكنْ أصباغُ تطليها

ولو ترى حجرات الدار باسمة
مِن بعد أن كادت الأحزان تطويها

حتى المزاليج صدقْ ما بها صدأ
مِن بعد أن كانت الأصداء تُرديها

وللسقوف أضاحيكُ تُسامرنا
فتلك يُضحكُها رجوعُ بانيها

ولو ترى شُرُفات الدار سامرة
تستقبلُ العائدَ الذي يُجافيها

ولو رأيت على الأبواب زركشة
حتى وإن أوصدت على أهاليها

للنوم أخلدَ أولادي بلا بُشُر
ولا أنوّه ما أقول تنويها

وليس مِن عادتي في الليل أوقظهم
لكنْ لفجْرهمُ كلٌ يُصَليها

وكم وددتُ بأن يَصحوا أبشرهم
هدية هذه البشرى سأهديها

وكم وددتُ كذا تبشير عائلتي
فسوف تسعد قاصيها ودانيها

يا حُب قلبي أنا شكوتُ مُعضلتي
وضيقَ نفسي إلى الرحمن باريها

أعوامُنا السبعُ ذي كأنها حِقبٌ
فيها المصائبُ تترى لستُ أحصيها

زرناك فيها زياراتٍ مُقطعة
عافاك ربك مِن أقسى بلاويها

وقد فقدنا الذي نظن من أمل
في أن تعود لك الذكرى تُناغيها

لكنه أملٌ في الله دام لنا
والنفس إن يئستْ خابت أمانيها

وعنك نسأل ، والجوابُ يُحرجُنا
والذكرياتُ يُؤذينا تواليها

وللأطباء تصبيرٌ يُهدئنا
والنفسُ تنشدُ مَن عطفاً يُهدّيها

وبالقلوب جوىً ، وبالنفوس أسىً
أما العيونُ فقد سالت مآقيها

ولم نملّ دعاءَ الله صُبحَ مَسا
إن المهيمن باري النفس شافيها

ارجعْ إليّ أنا بالشوق والهة
والنفسُ هاجت لِما تلقى دواعيها

داري أعِدّ لمن؟ شوقي أسوقُ لمن؟
وقصتي للورى مَن ذا سيرويها؟

حبي أكِن لمن؟ لمن غرامي لمن؟
عِرضي وطفلي وداري من سيحميها؟

عطفي وجودي لمن؟ عشقي وودي لمن؟
ومن سيكتم أسراراً أخبيها؟

هذي العباءات في بيتي مُتلتلة
مَن ذا عهدتُ بلا مَنّ سيكويها؟

وما لديّ - على الرفوف - من حُقن
من ذا لمن مرضوا في البيت يعطيها؟

وما لدي من الأموال مودعة
من ذا على منهج التقوى يُنميها؟

وما لديّ من الأغنام قد عدمتْ
مَرعى وراعيَها ، فمَن يُربّيها؟

ارجعْ إليّ أنا ذقتُ العنا زمناً
والنفسُ قد رخصتْ ، فمن سيُغليها؟

والعائداتُ دَهتْ روحي ، فذبتُ جوىً
والروحُ إن وهنتْ ، فمَن يُقويها؟

ارجعْ فعيشي بلا وجودكم عدمٌ
وأنت سيد داري ، بل وراعيها

ارجعْ لكي تجد الأولاد في شغفٍ
هذي المحبة مَن بالروح يفديها؟

ارجعْ فأنت أغاريدي وكل غدي
والعيشُ دونك آلامٌ أعانيها

ارجعْ كما أنت نوراً في دياجرنا
يا قصة عذبة أنا سأحكيها

ارجع كما أنت شعراً نستلذ به
أنت القصيدة شاقتنا معانيها

ارجعْ إلينا جميعاً تاج أرؤسنا
فما معيشتنا إن لم تكن فيها؟

مناسبة القصيدة

ارجعْ إليا (محاكاة لقصيدة نزار قباني: ارجع إليا) (أصيب ذلك الزوج اليماني في حادثٍ كانت معه فيه زوجتُه وأولاده وأصيبوا جميعاً بإصابات وكدمات وجروح أمكن علاجها ولله الحمد أما هو فكانت إصابته بالغة ، حيث بقيَ تحت العلاج عدة سنوات فاقداً للوعي تماماً وفي العام السابع وعبر ساعات الليل ، دخل الطبيب المناوب ليجد مريضنا فاقد الوعي يسأله وقد عادت له الذاكرة: أين أنا؟ فلم يرد عليه ، بل استوثقَ من رجوع الذاكرة والتماثل للشفاء ، وفرح طاقمُ المستشفى من رئيس القسم حتى الحارس ، وتبادلوا التهاني والتبريكات بينما اتصل الطبيب المناوب بزوجته ، وكانت تتوقع من خلال شاشة الهاتف أنه النبأ المتوقع من المستشفى من سنين بوفاة زوجها نظراً لتوقف الأجهزة وتوقف القلب معها وانعدام التنفس ، وذلك لتبدأ في إجراءات الغسل والتكفين والصلاة والدفن ولكن الطبيب فاجأها بقوله: لقد عادت الذاكرة لفلان وأصبح يُميز كل شيء حوله وما به بأس ولم يزد الطبيب على ذلك ففرحت فرحاً شديداً أعجزها تماماً عن الكلام وشكر الطبيب على اتصاله ومجاملته الرقيقة وكل الذي تذكره هو قولها في حالةٍ من البكاء المختلط بالضحك: الحمد لله وسقط الهاتف من يدها ، وبدأت تنظر إلى الأولاد وهم نائمون ، وتخيلت فرحتهم وفرحة الدار بكامل ما فيها من جدران ونوافذٍ وصالة وحجراتٍ ومتاع وأثاثٍ وأبواب وهنا حاولتُ وصفَ شعور هذه المرأة اليمنية شعراً ، فاخترتُ قصيدة نزار قباني: (ارجع إليا) ورأيتُها مناسبة للموقف ، فعارضتُها حكاية على لسان اليمنية الزوجة المحترمة الوقورة ، وليست العاشقة ولا فتاة الليل ولا بائعة الهوى التي ربّت جدائل شعرها وشالات الحرير والعطور والمساحيق لعشيقها ، معاذ الله فتخيلتُها في شعورها وإحساسها اليماني الرقيق اللطيف تقول لزوجها: ارجع إلي يا رجُلي ، أنا وأولادي مشتاقون إليك.)
© 2024 - موقع الشعر