دموع المآقي في تأبين كريم العراقي - أحمد علي سليمان

يبكي عليك اليومَ كل عراقي
والدمعُ مُنحدرٌ مِن الآماقِ

يبكون شاعرَهم ، وقد شط الجوى
ورؤوسهم مالت إلى الإطراق

نبأ الوفاة دهى العزائمَ والقوى
إذ طار في الأمصار والآفاق

عبرَ الأثير غزا المسامعَ نصه
مُذ ذِيعَ في مُتناثر الأبواق

والفيسُ أسرعُ في انتقال مُذهل
كلماتُه التبستْ على الأحداق

والناسُ بين مُصدق ما قد تلا
ومُكذب ما جاء في الأوراق

وتأكدَ الخبرُ الأليم ُحقيقة
بتثبتٍ يأوي إلى استيثاق

قالوا: (كريمٌ) قد قضى ، فاسترحِموا
فامتدتِ الأيدي إلى الخلاق

أن يرحمَ الله الكريمُ كريمَنا
ويخص - بالتصبير - أهلَ عِراق

أنا يا(كريمُ) أسِحُ دمعيَ هاطلاً
من بعد أن سَجمتْ فيوضُ مآقي

عَزّيتُ فيك (الشاكريّة) جُندلتْ
تبكي عليك بدمعها الدفاق

وتُعيرُ (بغداداً) بقايا دمعِها
لو كان يُرجعُ من قلاها الباقي

مازلتُ أذكرُ من قريضك عذبَهُ
يا باعثاً فينا سنا الأشواق

كم ذا بكيت على الفضائل والهُدى
لتُحق حقاً أيّما إحقاق

كم ذا دعوت إلى المناقب تبتغي
ألا تغيب مكارمُ الأخلاق

كم ذا تحديت التغربَ يجتني
ثمراتِنا ، ويسودُ باستشراق

كم ذا ارتقيت بشعر فذٍ طيّب
لم يهجر الحُسنى على الإطلاق

كم ذا حَملت الحق حَمْل مدافع
عنهُ بعزم مُنافح مُشتاق

فكتبت أشعاراً تُقلدك العُلا
راعيت فيها طيّبَ الأعراق

فإذا بها كالشمس إن هي أشرقتْ
ماذا يفوقُ الشمسَ في الإشراق؟

وكتبت ما تسمو به بين الورى
وبرزت في الشعراء كالعملاق

لو خُيّرَ السرطانُ فارقَ راحلاً
ورجا شفاءَ مقسّم الأرزاق

لكنه قدرُ المليك ، وحكمه
يجري بأنْ بعد الفراق تلاقي

والموتُ كأسٌ يا(كريمُ) ، وشُربُهُ
حتمٌ ، وهل يُجدي سؤالُ الساقي؟

نأسى عليك اليومَ يقتلنا الأسى
ونظل نبكي بعد طول فراق

لك في القلوب مودة ممهورة
والشوقُ يا محبوبُ خيرُ صداق

أوصيتنا يوماً بألا نشتكي
جُرحاً ، ونحن صِحابه يا راقي

لكنّ شكوانا تُجندِلُ عزمَنا
فنبيتُ نشكو قِلة الإشفاق

حزناً عليك ، وقد برحت ديارنا
ووفدت - في الأخرى - على الرزاق

رباه فارحمه ، وسامحْهُ على
ما كان مِن زلل ومِن إخفاق

فكريمُ مخلوقٌ ، وأنت خلقته
هل راحمٌ – للخلق - كالخلاق؟

ونموتُ نحن ، وسوف يأكلنا الفنا
وثرى المقابر شاهدُ الإطباق

نفنى ، ويبقى اللهُ جل جلاله
عز المليكُ المستعان الباقي

© 2024 - موقع الشعر