الحقيقة و الحياة - حامد حسن معروف

نفرت طیف النسك عن أهدابي
فسكبتُ في شفتيك خمر شبابي
 
وعدوت بي حدّ التقى ، وتركتني
للغيّ ، للأهواء بعد متابي
 
فدرجت في شُعَب الحياة ، تقودني
نزعات هذا الأرعن المتصابي
 
وحنوت ارتشف اللهيب .. وجمرہ
أولى بها ... ورحيقه أولى بي
 
بلّلته بدمي ، بنار عواطفي
بنديّ أحلامي . . بطيب رغابي
 
غنّيتك الدنيا نشيداً عاطراً
يا أم نعمائي ، وسر عذابي
 
نامي !! على سُبَح المنى في ساعدي
مرتجة ، كخواطر المرتابِ
 
نامي !! فوسوسة الدجى في مسمعي
وتنهّد الأوراد في أثوابي
 
نامي !! لتشهد مقلتي دُفق السنی
في الناهد ، المتعطش الوثَّابِ
 
صنم من الوهج النديّ ، معطر
بطر تهدهده الغواية ، رابِ
 
لما علقت به ، غفوت ، وفي يدي
دنيا من الأنوار ، والأطيابِ
 
غضّي جفونك ، واسكبي خمر الهوى
في مرشفيّ ، و عللي أصحابي
 
ألعازفين عن الأسرة ، مُهّدت
والحالمين على ذراع الغابِ
 
تتلألأ النعماء في قسماتهم
وتطل خلف معاقد الأهدابِ
 
سبحان من جعل التّعلة جنة
في الكوخ - دار البؤس – للحطَّابِ
 
في الحقل حيث الله يسكب روحه
بللا على الأوراد والأعشابِ
 
نغفو على مُقل السكون ، ونرتمي
في لجِّ حلم ، ثائر ، صخَّابِ
 
حرم الهوى الطاغي أطوف حياله
ومرَّغت أجفاني على الأعتابِ
 
سلبت نهاي ، وخافقي عربية
والحسن - كل الحسن - في الاعرابِ
 
خطب الأولى يدها ، فكيف تمنَّعت
وترفَّعت عن سادة الخطابِ ؟؟
 
حتى إذا تعب الزمان ، توقّعت
ليلى ، مجيء الفاتح الغلَّابِ
 
وتحلّت الدنيا فكل ثنيّة
تتنظر اللُّقيا مع الأحبابِ
 
عنت الحقيقة - في المعرة – لابنها
وتبرَّحت للمادح ، المغتابِ
 
للثائر ، الحنق ، الرحیم فؤاده
للمؤمن ، المتشكِّكِ ، المرتابِ
 
للناشد الحقّ الصراح ، ولو مشی
من فوق ألف شريعة ، وكتابِ
 
صدقت نبوءته ، وقالوا : کاذب
آمنت بالمتنبيء الكذَّابِ
 
ورأيتها ، خطرت ، تصعر خدها
كبراً على "الحلاج" ، "والفارابي"
 
ظمئا ، وفاتهما المعين ، ودونه
لفحات هاجرة ، ولمع سرابِ
 
ورأيت بنت هواي تسخر منهما
وتضيع بين السلب ، والايجابِ
 
وتذوّق "الخيام" خمر جمالها
وسعى بسلسله على الشرابِ
 
العمر !! ليس العمر غير سلافة
وحبيبة ، وقصيدة ، وربابِ
 
ومع العقائل في الحجيج ظعينة
علقت بها عينا "أبي الخطاب"
 
حتى إذا غاب "القمير" و نام من
في الحي ، من حرس .. ومن حجَّابِ
 
طرق الخباء ، فراعها ، وتبرّجت
مرتاعة ، للطارق المنتاب
 
وتصرّم الليل الغويّ علالة
ودعاب ذي غزل ، .. وغير دعابِ
 
و يسير بين ثلاثة مترقِّبا
متنكّر الخطوات ، والجلبابِ
 
و سُئلت عن "عمر" وعن "نعم" وهل
أثما بها فعلا ؟؟ .. وكان جوابي
 
أبت الحقيقة أن تبيح جمالها
في الناس ، رب غباوة ، وتغابي
 
مدت لك الأسباب غير ضنينة
ووقفت دون الأخذ بالأسبابِ
 
والعاشقون منعّم ، وميمم
يمشي ، فيعثر في الطريق ، . . وكابِ
 
حضروا .. وغيّبهم توقّد نورها
عنها .. فيا للحضّر ، الغيّاب !!
 
العدل ما اشترعت . . و رب عدالة
خرقاء ، بنت أسنة وحراب !!
 
وتمرّغت بالموبقات .. ولاتری
ما الفرق بين الحان والمحراب
 
جارت على الجسد البريء ، ولم تجد
للنفس - ذات الاثم - أيّ عقابِ !!
 
والخمر ، إن خبثت على شفة امریء
طعماً ، فأيّ الذنب للأكوابِ ؟؟
 
أمن العدالة أن يؤجج في دمي
لهب الجحيم ؟؟ ولا يساغ شرابي
 
يا مبدع الحمل الوديع ، . . خلقته
للروع . . للأظفارِ .. للأنيابِ
 
القصر يطفح بالجلال ، وكل ما
في القصر مزدحم على الأبوابِ
 
والأصفياء على الأرائك ، شأنهم
عبث الهوى ، وتبادل الأنخابِ
 
یا "عار" !! لولا الأمس كنتُ مسحت عن
عطفيك زهو حقارة الألقابِ
 
یا "عار" !! عذَّبني الضمير ، ولم أعد
أقوى على وخزاته ، وعذابي
 
یا "عار" !! يا خجل الضمير ، ترفعت
وصغرتِ عنها ، لعنتي ، وعتابي
 
ولقد تجوز الأربعين خلاعة
بنت الهوى ، وتظل في العزّاب
 
بالاثم .. باللعنات ، يطفح دربها
بالعار تمسح وجهها .. بالعاب
 
الشرق منتحر على قدم الدجی
خضب ، يمج عصارة العنّاب
 
وشبعت من "كرز الاله" ، تديره
شفتا ملونة الغنَّاج ، كعّابِ
 
وتمرُّ سابية !! وأي شمائل
للهيف .. للعطرات ، .. غير سوابي ؟؟
 
وأراك غادية ، فيسجد في دمي
ذلّ العبيد ، لعزّة الأربابِ
 
مطرت على دنيا خطيئة آدم
قطرات غيث مراحم التوّابِ
© 2024 - موقع الشعر