الفقر و الابداع - حامد حسن معروف

قلبٌ تولَّى عليهِ الفقرُ والألمُ
لكنَّه رغمَ هذا ظلَّ يبتسمُ !
 
يعتزُّ بالفقرِ میراثاً، ولا عجبٌ
إذا تساوى لديه اليُسْرُ والعدَمُ
 
للمترفين منيفاتُ القصورِ، وما
فوق المنى، ولنا الأكواخُ والخيَمُ
 
تاهَ الغنيُّ اختيالاً، وازدهی بطراً
وظنَّ من جهلهِ، أنَّ الورى خدَمُ
 
لا يسجدُ الشِّعرُ مهما سامه صنَمٌ
أستغفرُ اللهَ .. لكنْ يسجدُ الصَّنَمُ
 
تستنفرُ الغضبَ الخلَّاقَ قافيةٌ
وعندنا الرَّافدانِ : الفقرُ والقلمُ
 
لا يبطرنَّ غنيٌّ، عیشُه ترِفٌ
فالمالُ وغدٌ، ويدري كيفَ ينتقِمُ
 
الجائعون العطاشی من بني وطني
توارثوا، شرفَ الإنسانِ واقتسموا
 
لا يسكن اللهُ إلَّا في سرائرهمْ
حيثُ الضَّميرُ، وحيثُ الحبُّ والقيمُ
 
یا راقداً في التِّلالِ الفيحِ تُؤنِسهُ
أغرودةُ الفجرِ، والغيماتُ، والنَّسمُ
 
ترتادهُ الأنجمُ السَّهرى وما علقتْ
إلَّا بريشِ جناحِ الشَّاعرِ النُّجُمُ
 
إذا استجمَّ أهلّتْ فوقهُ دِيَمٌ
من العبيرِ، ومن ذوبِ الضُّحى دیمُ
 
صاحبتُه زمناً، ساجلتُه أدباً،
وفوق هذا وهذا ، بیننا رحِمُ
 
تنداحُ في صدرهِ الآمالُ، تاركةً
في جفنهِ کاذب الرُّؤيا .. وتنهزمُ
 
إن غيَّبتكَ التِّلالُ الفيحُ عن نظري
فأنتَ في القلبِ والعينين مرتسمُ
 
يا مُطعم اللَّيل من عينيهِ نورَهما
واللَّيلُ كالموت شدقٌ جائعٌ، نهمُ
 
يا أشرفَ النَّاسِ فقراً زانَه خُلقٌ
سما شموخاً به عن كلِّ ما يصِمُ
 
کم خضتَ في الجمرِ حتَّى صار ألهيةً
عذراءَ يلهو بها كفَّاكَ والقدَمُ
 
في كلِّ لقمةِ عيشٍ غصَّةٌ وشجیً
وكلِّ خطوةِ رِجْلٍ شوكةٌ و دمُ
 
لا نحسب الألمَ الطَّافي سوى نِعَمٍ
دامت لنا، وعلينا، هذه النِّعمُ
 
أغنى الوری شاعرٌ أهداهُ خالقُه
منذُ استهلَّ جراحاً ليس تلتئمُ
 
لولا هديرُ جراحِ القلبِ نازفةً
ما انهلَ من شفتيكَ الشِّعرُ والنَّغمُ
 
آذارُ خیَّمَ بالوادي ، وعبَّأهُ
بالعطرِ واتَّشحتْ بالسُّندُسِ القِمَمُ
 
وفي السُّفوح ِ أغاريدٌ وعندلةٌ
فاللَّحنُ مضطربٌ حيناً ومنسجمُ
 
تميَّزَ النَّسرُ غيظاً، والذُّرا غضباً
واستنكر الدَّهرُ، كيف استنسرَ الرَّخَمُ
 
والظَّامئونَ وقيعانُ السَّرابِ لهمْ
لم يطفئوا ظمأً .. لكنَّهم زعموا
 
وبعضهم راح يدمي كفَّهُ ندماً
عمَّا جنى، وعقابُ المذنبِ النَّدَمُ
 
يكفي الحياةَ امتهاناً بالحياةِ إذا
تذاءبتْ ، وأحدَّتْ نابَها الغنَمُ
 
وترقصينَ على الأشلاءِ ضاحكةً :
"يا أمَّةً ضحكتْ من جهلها الأممُ !!"
 
لولا دمشقُ ، و سيفُ الله في بردى
لم يبقَ في أمتي سيفٌ ولا علمُ
 
تكدَّسَ النُّورُ في دربي إليكَ، وقد
أمشي الهوينى ، لأنَّ الدَّرب مزدحِمُ
 
والملهمونَ .. وللتَّاريخِ ما تركوا
لولاكَ لم يسألِ التَّاريخُ : أين هُمُ ؟
 
كانوا إذا استبقوا في السَّاحِ، واختلفُوا
في شأنِ ما أبدعوا، جاؤوك واحتكموا
 
في كلِّ دربٍ سقيطٌ من طيوبِهمُ
كأنَّهم من مغاني عبقرٍ قدِموا
 
في كلِّ متَّجهٍ تُومي إليكَ يدٌ
و كلِّ جارحةٍ يُثني عليك فمُ
© 2024 - موقع الشعر