مررت على ندى أبي حسين - حامد حسن معروف

أبا النُّفَحِ المعطّرةِ العذابِ
وأكرمَ من عَرفتُ من الصِّحابِ
 
مررتُ علی نديِّ أبي حسين ٍ
وبي من ذكرياتِ الأمسِ ما بي
 
أسائلُه وبي لهفُ الحزانى
فأمسك أم تشاغل عن جوابي ؟
 
وقفتُ بهِ وللنَّسماتِ بوحٌ
فهل سرقتْ نسائمُه انتحابي؟
 
وناءتْ والعبيرُ بها سفيحٌ
بما حملتْ من الألقِ المُذاب
 
قبور بني أبي ورُعاة عهدي
علی قننِ الذُّرا وعلى الرَّوابي
 
فلا تسل السّماء هل اطمأنَّتْ
لبعثرة الكواكبِ في التُّراب ؟
 
أضمُّ ثرى قبورهُمُ كأنِّي
أفتِّشُ في المقابرِ عن شبابي
 
على حصبائها بعثرتُ قلبي
فبُورك بالخضيبِ و بالخُضابِ
 
يرافقني خيالكَ في مجيئي
إلى تلكَ القبورِ وفي ذهابي
 
و ليلة زرتني و السقمُ بادِ
تضجُّ به ملامحُك السّوابي
 
رأيتُ على جبين أبي حسين ٍ
بقايا الشَّمسِ تجنحُ للغيابِ
 
كأنَّكَ، والضَّنا يعلوكَ ، بدرٌ
تراءَى في الشَّفيفِ من الضَّبابِ
 
كأنَّ حديثَنا قُبلُ العذارى
لها نَفَسُ الرَّبيع ِ و حَرُّ آبِ
 
و آخرُ ما كتبتُ لهُ عتابٌ
و لكنِّي ندمتُ على العتابِ
 
فإن فتَّشتَ عن كبدي فخذهُ
من الحُرَقِ المُذابةِ في كتابي
 
سأسكُبه حنيناً في قصيدي
و أغنيةً على شفتَيْ ربابي
 
تغرَّبَ عن ربُوعهمُ لِداتي
وبين بني أبي کان اغترابي
 
فرشْتُ علی دروبهُمُ الثُّريّا
ودربُهُمُ خفيتُ النُّور خابِ
 
وتأبي الكبرياءُ عليَّ أنِّي
أمنُّهمُ وأعبأ بالثَّوابِ
 
وأعجبُ كيفَ يحسبني ظنيناً
غويُّهم ومدعاةَ ارتيابِ ؟
 
أيطمعُ أن أعاتِبَهُ ولكنْ
ترفَّعَ عن بني الدُّنيا عتابي ؟
 
سأصدعُ بالحقيقة لا أُداري
أحبَّهمُ إليّ ولا أحابي
 
وأكرمُ شاتمي وأعفُّ حتى
لأوشك أنْ أثيبَ على السِّبابِ
 
ولو زرع الغواةُ علی سبيلي
حرابهمُ مشیتُ على الحرابِ
 
جرى في صغري وفي بياني
دمُ ابن "أبي العريضِ" وفي إهابي
 
ولستُ على الغباءِ ألومُ "زیداً"
و لكنّي أدينُ على التَّغابي
 
أيجهلُ و "العماد أبي" – مکاني
ويحسدني على شرف انتسابي ؟
 
أحطُّ من الحضيضِ وإن تعالی
وأخْفَتُ في الطَّنينِ من الذُّبابِ
 
إذا امتهنَ الجباية لمْ ألمهُ
لأن أباهُ مثلُ أبيهِ جابِ
 
أتأملُه ولكنْ أيُّ ربح ٍ
تصيبُ إذا اتجّرت مع المرابي ؟
 
بدا لكَ طاهر الأثواب عفّاً
وتخطيءُ إن حكمتَ على الثِّيابِ
 
تقيٌّ لو سألتَ الحانَ عنه
لقال : خبأتُهُ بين الخوابي
 
وأشفقُ أن تذوبَ حشاكَ جوعاً
لأنَّكَ ما شبعتَ من اغتيابي
 
بیانُك راعفُ النَّبراتِ حيناً
وحيناً عاطرُ النَّفحاتِ سابِ
 
بهِ ما شئتَ من كلِمٍ نعيمٍ
ومنْ همسٍ وبوح ٍ وانسيابِ
 
يطوفُ بنا الخضمَّ منَ المعاني
فيسلمُنا العُبابُ إلى العُبابِ
 
تصبَّانا فلا تجدنَّ " لیلى "
و " قیساً " غیرَ صابيةٍ وصابِ
 
تمرُّ مواكبُ الشُّعراءِ فيهِ
و تعبرُ وهي حانيةُ الرِّقابِ
 
كبرتُ عن الصِّبا والشِّعرِ لكن
أدافعُه ويمعنُ في اجتذابي
 
إذا أغلقتُ دونَ الشِّعر باباً
أتى متسلِّلاً من ألفِ بابِ
 
فلا متعُ الصِّبا ونعيمُ أمسي
مضین به ولا خدعُ التَّصابي
 
وقلتُ : أتوب لكن راودتني
غوايتُه فتبتُ عن المتابِ
 
عذابٌ يفارقني ولكنْ
عذوبتُه تخفِّفُ من عذابي
 
توجَّدت السَّماءُ عليك لمَّا
بكتْ لكنْ بأجفانِ السَّحابِ
 
وجئتُ إلیكَ محتقباً عيابي
ولا تجدنّ عيباً في عيابي
 
وأشرقُ - والمدامةُ سلسبيلٌ -
إذا طالعتَ طيفكَ في شرابي
 
وتُشرقُ من رغابي ألفُ دنیا
ملوَّنةٍ ، لأنَّكَ في رغابي
 
غداً أرِدُ الحسابَ ولا أبالي
حسابَ غدٍ لأنَّكَ في حسابي
 
تعهَّدكَ الضُّحى ألقاً وندَّى
ترابَك يا وليَّ " أبي تُراب "
© 2024 - موقع الشعر