وجه أبي ذر وقلب أبي لهب - أحمد علي سليمان

يا نفسُ ويحكِ كفكفي الدمع الأغرْ
واخشوشني ، فالدمعُ يذهب بالحجرْ

حتى متى تبكين حاضر أزمةٍ؟
وإلى متى في الكرب دمعُكِ ينحدر؟

حتى متى تتأوهين بحرقةٍ؟
وإلى متى يحدو بكِ الدمع الأغر؟

طارت جميعُ أزاهر الآمال من
فرط الجوى ، أما كروبك لم تطر

بالأمس كنتُ أراكِ في أوج الذرى
وبعطر حبكِ للتفاؤل أفتخر

وأراكِ نبراساً بطاعة ربنا
يزهو ، ينير الدرب حتى يزدهر

وأرى رياضاً مِن جمالك تزدهي
وأرى ضياءً مِن أريجكِ ينتشر

فأبِيتُ أشكر للمليك عطاءه
وأظل أمعن في نعائمه النظر

وأمتّع الخلجاتِ بالتقوى له
وأقول: هذا فضل ربي المقتدر

هل بعد هذا تنزوي روحُ التقى
ويغيب بلسمُها ، وتركُلها الغِير؟

همٌ على همٍ يُحَطم عزمتي
وتنال مِن صبري دياجيرُ الخطر

كربٌ على كرب يُمزقُ مهجتي
ويفتّ في عضُدي خيالٌ منقعر

حزنٌ على حزن يخمّش صيحتي
حتى متى هذا العذابُ المستمر؟

وفراقُ خلان بأرض شقائنا
وغياب مثلي على سياج المؤتمر

في ضيعتي كم إخوةٍ وأخوّةٍ
وعلى الرُبا كم ذا هنالك من أسر

بين المزارع ذكريات الأمس تلهو
لا تفارقني ، ففيها المعتبر

و(الملجأ) الوسنانُ حين وطئتهُ
ألفتيه أرضاً يموجُ بها الزهر

قد كان يكفي كِسرة وقراءة
وننام نحلم بالنعيم المُدخر

ونبيت نقرأ في (الكتاب) بمتعةٍ
ثم الحديث ، وبعده نردُ السير

قرآننا لا صوت يعلو فوقه
وكذا حديث رسولنا ، فهما الدُرر

وهما السبيلُ إلى هداية ربنا
وهما النجاة إذا تجمعتِ الغِير

وهناك فوق منابر الأقوام يُس
معُ ما تقول ، ولا ترى لك من ضرر

وهناك آدابُ استماع جمة
وهناك تنزاح الوساوسُ ، تندحر

وتزول ريحُ الشر بعد لقائنا
وتموتُ أعفانُ الرياء ، وتندثر

يلقاك هذا بابتسامة والدٍ
وتحب ذلك في الإله ، وتنتظر

كل الكبير مع الصغير يحبنا
بعد المهيمن نعم عونٌ يُدخر

فالكل يأمل خيرنا ونعيمنا
ويريدنا فوق السحاب وفي القمر

خبزٌ وملحٌ زادُنا ، ومياهُ ني
ل شرْبنا ، والشايُ من بعد الجزر

أفراحُنا أفراحُهم ، عجباً لهم
أحزاننا أحزانهم ، نعم الزمر

وطعامهم في بيتنا ، وكذا الصلا
ة ببيتنا ، شيءٌ يُسَرّ به العمُر

ومع الصباح أسير حتى معهدي
لألقن الأشبال ما يُجْلي البصر

وكذا أذكّر بالمليك ودينهِ
وهناك لا أعطي سوى بعض الشرر

أما البقية ليس يُجدي ذكرُها
لا خير في علم غزير كالمطر

دوْر المعلم أن يبيّن ما اختفى
ويُعِين أفراخاً تتوق إلى القمر

ومع الظهيرة عودة فينانة
قد زانها السعيُ المتوّجُ بالزهر

وقبيل عصر اليوم درسٌ ثم در
سٌ للصغار وللكبار بلا ضجر

وقبيل مغربه تلاوة سورةٍ
ثم انغماسٌ في الصلاة على الأثر

وبُعيد مغرب يومنا ختمُ الصلا
ة بذلةٍ ، وصلاة ركعاتٍ أخر

وبُعيد ذلك لقمة وبُعيضُ قط
ر الماء ، ثم الشاي يطوي ما ائتمر

وقراءة في ساح فكر واعدٍ
مستبصر ، لا فكر مأفون قذر

أما امتلاء البطن بالمطعوم وال
مشروب دوماً: هل إلى التقوى يجُر؟

أما امتلاء العين بالنظر المح
رم والمسمم فهْو مسلكُ مَن فجر

أما امتلاءُ القلب بالحب الذي
هو ديدنُ الأقوام في دار الغجر

أما امتلاءُ الروح بالدينار والد
ولار فهْو خطيئة تئد البشر

أما امتلاءُ الفمّ بالمطعوم وال
مشروب والملبوس: ماذا يُنتظر؟

أما امتلاءُ الدار بالخدم الألي
ملكوا ضحىً ، وكذا الحريم المحتكر

أما امتلاءُ فنائها بدوابهم
ورحالهم ، ما عاد فيها مستقر

أما امتلاءُ مجالس الأقوام بالأ
صنام والتصوير من تحت الستر

وكذا امتلاءُ ملاعب الأقوام بالز
ينات والأصباغ زيّنتِ الجُدُر

أما انتفاخ بطونهم بلذيذ أط
عمةٍ ، بفاكهةٍ ، بخرفان الجزر

وإذا دعا داعي الجهاد تراهمُ
ما بين صاحب علةٍ أو معتذر

سُقيا لعهد كرامةٍ ولتْ وما
عادت ، وقد دفنتْ ببوتقة العُمُر

ومدينة الأحزان داري صدّقوا
فالذل في أحشاء داري يستقر

ماذا بها؟ أخبرْ وقلْ: ماذا بها؟
ماذا بها غيرُ الخراب المحتظر؟

غير المَناكح والذبائح لا ترى
أما القرائح فهْي أحلامُ الغجر

غير الرذالة والتطاول لا ترى
أما الشهامة فهْي في كبد الجدر

غير العمالة والخيانة لا ترى
ماذا بها غير التكسَر والسكَر؟

ماذا بها غيرُ الشخوص وظلها؟
ماذا بها غيرُ الرجيع المعتمر؟

غير العذارى والسكارى والخنا
وكما ترى خلف الفنا يعدو البشر

ويقول حال الجمع: من هدي الملي
ك وشرعه أفصحْ وقلْ: كيف المفر؟

وأرح ضمائرنا أيا هذا المُهوّ
ل من كلامك والوعيد المزدجر

وفرْ حديثك للذين تحبُهم
إنا غرقنا في الضلالة والقذر

واحملْ صحائفك التي أودعتها
واحمل عصاتك والمعين المستتر

واحملْ أدلتك التي تزهو بها
واحمل رسائلك التي فيها العِبر

وارحلْ فليس بدارنا هذا الذي
تصبو إليه ، وليس منا مصطبر

واذهبْ إلى مهد الرجولة والوفا
ودع العذاب لأهله ، ودع الضرر

فهناك يسمعك الذين تحبهم
وهناك يعرفك الكثيرُ ، وتشتهر

وهناك أهلك والصحابُ ودارُكم
كم في ثرى تلك الدنا لك مِن وَطر

وهناك ريفُ دياركم وبقاعكم
أما هنا: فهنا المكاحل تزدهر

وهناك ترتاحون يسعدكم بدا
ركَ فقرُكم ، أنتم به منذ الصغر

وهناك يُثمر نصحُكم وكلامكُم
أما هنا: فجميعنا نرجو سقر

إنا لنعرف هولها وعذابها
سقر لنا: لا تبقينّ ولا تذر

ومدينة الأحزان تقتلع الهُدى
ماذا بها؟ فيها التقِيُّ على حذر

ماذا بها يا صاح؟ قل ماذا بها؟
بعضُ البغاث يسودهم زير الخفر

والمالُ أفصح أنه أسر الحجا
وكذا النسا ، فسألته ماذا الخبر؟

فأجابني بفظاعةٍ وشناعةٍ
والدمعُ من عين المخاطب ينهمر

لا شيء يُعجزني بها ، فأنا المؤمِّ
ل والمرجّى في الخراب المُكْفهر

وأنا المؤمل في السلامة والندا
مةِ والقيامة والصراط ، وفي الغِيَر

والناس يجرفها بريق ترفعي
وكما الخناجر في الحشا وخز الإبر

أما القلوبُ فدنستْ بصنيع إب
ليس بألفي حيلةِ وكذا صور

وكذا الرجال فخدّرتْ فيهم كرا
مة آدم ، ومضتْ براكينُ الغِير

وكذا الديار فهوّدتْ وتنصرتْ
رغم الأنوف على يد الرهط الأبر

رهط أبرّ بهودهم وصليبهم
أما على التوحيد سيفٌ مشتهر

رهط يذكّر بالمليك وهديه
لا يستجيب ، وإنما ينسى النذر

رهط تمكّن من رقاب أماجدٍ
بالنار يحكم والحديد المستعر

رهط يخيّل للحيارى والسكا
رى أنهم نعم الورى نعم النفر

رهط تولى في غياب حنيفةٍ
وغياب عُصبة (أحمدٍ) ، وكفى سُعُر

رهط بدار الهُون يذبح نورها
مُضرٌ بغير الحق حتماً تنتحر

رهط بدار الذل منشأ عارها
فلبئس قوم هؤلاء ومن غدر

رهط بدار اليأس يقتل فجرها
فالناس قد غزوُا الفضاء إلى القمر

والقوم في ذيل الحضارة والورى
يا ليت شعري ، كيف يرتاح البشر؟

رهط بدار الوهم يمسخ بأسها
ويُحيلها في الهالكين وفي الدبر

رهط ، وليت الناس تفهم ما أقو
لُ ، وتستحي ، وتريحنا من كل شر

يا صاح خبّر قومنا أن الحيا
ة غدت زلازلَ في الدياجي تنفجر

واستعبد الدولار أجناساً بها
وأحالهم: قطعان تلهث في الحفر

إبليسهم أموالهم ، أما الفضي
لة لا مكان لها ، ولا حتى خبر

لا خمر تجرع جهرة ، إلا ويع
لمُ أمرها إبليسهم ، يا للكدر

لا زور يُعلن في الملا إلا ويع
رف أهله إبليسهم ، يا للبطر

لا فسق يُشهر سيفه إلا ويع
لم أمره إبليسهم ذاك الأشر

لا خصر ساقطة يهز وينثني
إلا وإبليسٌ برقص قد أمر

قبلوا الدنية والمهانة في الحني
فة ، ليتهم قبلوا الدنية في السعر

واستأسد المجنوز وهْو ضحية
في البيت يمرح لاهياً أو يختمر

مادام متروكاً له أمر الهوى
لم لا يعيث؟ وتلك كارثة أمر

عربيدُهم من كل صُقع قد أتى
والمصلحون الحاذقون من المجر

لا ذوق ، لا أخلاق ، لا قيم هنا
لك أو مبادئ ، بل موازينٌ أخر

تركوا المفاسد في قعور بيوتهم
حيث البناتُ ، وحيث عِرضٌ منتشر

حتى يعود الظل من كبد العمى
لترجّ صولته الأنام ، ويحتقر

ويكافئ الزيف المتوّج بالهوى
هذي وربي نكسة تئد الفطر

يا ليت شعري ردة ، ويغيظني
ألا أبو بكر لها أو قل: عمر

أبداً فداك الروحُ يا عُمر الهدى
إن العدالة من حروفك تبتشر

لمّا رآه يسِر لامرأةٍ علاٍ
هُ بدِرة في السوق فسقٌ ينتشر

قد قال: زوجي يا أمير المؤمني
ن ، وسوف نسكن دار مَن يُعْلي السعر

فيقاطع الفاروق ما قد قاله
ويقول حقاً ما يقول أيا عمر؟

يا سوأتي مما فعلتُ ، وكربتي
ماذا فعلتَ على الملا؟ ما تصطبر؟

إن كان حقاً ما يقول فسوف يأ
خذ دِرة ، يهوي بها بعض الدِرر

فأجابتِ الزوجُ المصونُ بأنه
زوجي ، وصدقٌ ما تلفظ من خبر

يا ليت شعري قدّم الفاروق دِرَّ
تهُ ، وقال: اضرب بها ، ودع الحذر

فيُجيب إني قد عفوت فلا علي
ك أميرنا ، هي عند رب مقتدر

فيقول: لا ، هي عند من هو للمهي
من عبدُهُ ، واذهب وذر ما قد صدر

أما مدينة حزننا ماذا بها؟
إبليسهم ، يا للعذاب المستعر

مَن يقتل الإبليس مَن؟ مَن يحرق ال
دولار مَن؟ مَن ذا يذود بلا حذر؟

من ذا يُبيد الزور مَن؟ مَن ذا يُريق
الخمر مَن؟ من ذا يدافع لا يفر؟

من ذا يُزيل الشر من؟ من ذا يبيد
الدعر من؟ من ذا يقود وينتصر؟

من ذا يلم الشمل من؟ من ذا لحسم
الكرب من؟ من للظلام المستتر؟

من ذا لمحق الذل من؟ من ذا لجب
ر الكسر من؟ من للمصير المنشطر؟

من ذا لجمع الصف من؟ من ذا يقو
لُ الحق من؟ من للنعيم المنتظر؟

الهَديُ في تلك الديار رذيلة
بل في المناسك والصوامع يُقتصر

هل بعد ذلك ذلة لتصورٍ؟
أن يسكن الفرقان أوراقاً تقر؟

أن يجعل الفرقان أوراداً وأع
ياداً وأقنعة ، وأياماً تمر؟

أن يسكن الفرقانُ مكتبة يبا
عُ الفكر فيها ، أو يداوَل ، أو يُسر؟

أن يجعل الفرقان دروشة وحَذ
لقة وفلسفة بها الحمقى تغر؟

أن يجعل الفرقان معركة تد
ورُ ، ولا يكُف أوارها حول الدثر؟

حول اللحى ، حول العمائم والستا
ئر والجنائز والتمائم والنشر؟

حول الرقى ، حول الزنى ، حول الخنا؟
حول الغناء وأهله ، حول الصور؟

حول المعازف والقيان وآله؟
حول الربا ، أو حول إطراق البصر؟

حول القراءة بعد فاتحة الكتا
ب وحكمها ، أو حول أحكام السفر؟

أو حول بسملة الأئمة جهرة
حول الدما ، أو حول قصر في حضر؟

حول الدعا مع رفع أيدٍ في الصلا
ة ، وحول ماء البحر أو ماء النهر؟

أو حول فتوى في التبرج والهوى؟
أو حول فتوى طهرة الماء العكر؟

حول فتوى لست أعرف قصدها
مضمونها: عدم الركوع مع الكِبَر؟

أو حول فتوى هازل موضوعُها
ما حكم دين الله في ظل الشجر؟

أو حول فتوى نائم موضوعها
ما قولكم في نومنا وقت السحر؟

أو حول فتوى في نفاس أو عرا
كٍ طارئ ، أو حول أصباغ (اللكر)؟

أو حول فتوى تاجر موضوعها
ما حكم دين الله في بيع الغرر؟

لا شيء يُسمع عن طواغيت الورى
ما دام هَديُ الله في الفتوى اقتصر

حكموا الديار بغير هدْي نبينا
والقوم ناموا في دجى نوم الفجر

قانون مَن عبدوا المسيح بدارهم
ونصوصُ عُبّاد الخنا ، يا موت زر

يا موت زر ، فحياتنا صمت الفنا
دبّر إلهَ الخلق أمراً قد قدر

ماذا أقول لجوقةٍ تفكيرهم
في أكلهم ، في شربهم؟ بئس الفِكَر

في نومهم ، في هزلهم ، في مالهم
أو في وقاع نسائهم بعد السمر

أو في بناء بيوتهم ورياضهم
في لبسهم ، في عطرهم ، بل والغتر

أو في التسابق نحو ملهى قينةٍ
أو لعبة ، أو سهرة ، يا للخوَر

أو في شراء أثاثهم ورياشهم
وأخصّ - بعد الكل - زيناتِ السرر

أو في شراء ذبائح وفواكهٍ
أو في التجارة في أحاسيس البشر

ماذا أقول أيا مدينة حزننا
والأمرُ أمسى في سراديب الضجر؟

ماذا أقول لها وذلك حالها؟
والحالُ يُغني عن مقال قد صدر

إفلاسها أودى بها ، برجالها
بنسائها ، بشبابها منذ الصغر

تضييعُها للهَدي هل يسمو بها؟
والهدى كان لدارنا ضوءُ القمر

تغييبُ وحي الله هل يعلو بها؟
أم يا ترى يُودي بها قعر الحُفر؟

حفر الضلالة والحقارة والهوى
وضياعُ دين الله شرٌ أي شر

وتعددتْ نذرُ المهيمن حولها
لكنما المصروفُ ليس يرى النذر

سُنن المليك على الرقاب ، وآيه
شرقاً وغرباً ، بل على مد البصر

والحق أن الدار تنتظر الفنا
وكذا ضياعُ البأس ها هي تنتظر

إن كان بأس الحق ضاع بدارنا
وعلى مآذنها ، وفيها يحتضر

فلسوف ينتصر المليكُ لهديهِ
ويعُم ذاك الهديُ بِيداً والحَضر

غرتكمُ الدنيا أيا أعرابنا
كيف انزلقتم للحضيض المحتقر؟

ماذا سيفعل جمعكم يوم النشو
رِ بهوله وقيامة أدهى أمر؟

أيقول: غرتنا الدنية ربنا؟
واللهِ ساعتها تولون الدبر

أيقول: أخرجنا فإن عدنا فإن
ا ظالمون ، وأنت أرحم مَن قدر؟

أيقول: أيقنا بأنك عادلٌ
وعلى عذاب القوم أنت المقتدر؟

أتروْن ذلك شافعاً؟ فلسوف يأ
تي الردُ من عند المليك المقتدر

ردٌ عجيب الوقع في آذهاننا
ويذرّ للوجدان ذراً أي ذر

سيقول: كلا إنها كلمات مخ
دوع ومعتوهٍ وكذابٍ أشر

هذا ، ويومُ البعث يومٌ فاصلٌ
وهناك لا تجدي دموعٌ تنحدر

وهناك لا تجدي العلائقُ والروا
بط والدراهم والجنود ولا القُدَر

وهناك لا تجدي جيوشٌ أو قوىً
مَن لي بطاغوتٍ بذلك يعتبر؟

وهناك لا أمٌ تفيد ولا أبٌ
فالكل يصرخ: كيف مِن ذاك المفر؟

يا ليت شعري ما جرى؟ فالكل من
هول المصاب كما الجراد المنتشر

إن الذكي العبقري من استبا
ن الدرب والأعوان حتى يصطبر

ليس الرجال بدرهم أو ملبس
هيهات يُطربهم كذا ضربُ الحُجُر

وكذا النساء بدينهنّ محط ك
ل فضيلةٍ ، ليس النساء بذي الطرر

والآدمية بانتهاج الشرع لا
أن تستبدّ بك المذاهبُ والمِرر

والعُجْبُ ليس بميزةٍ لمن اتقى
أبداً ، وليس مزية هذا السعر

يُعلي كرامَ الناس عندي دينهم
ويبوء بالآثام أصحاب الزور

لا يذهب المعروف يوماً بينهم
لئن اتقوْا لن تذهب التقوى هدر

كيف المسير بغابةٍ نحيا بها؟
كيف التجوّل في القفار بلا وتر؟

قومٌ تمرّق هديُهم وحياؤهم
يا للأسى ، أواه من أهل المدر

ولقد نسوْا أغنامهم وخيامهم
وسيوفهم ، أواه من أهل الوبر

ما كنتُ أحسِب أنكم للحد ه
ذا تكرهون الحق والنور الأغر

تستكبرون عن الحنيفة هكذا
وتطوّقون رجالها ، بئس الحُمُر

تبقون كل معربدٍ ومخرّفٍ
وكذاك كل ممولٍ لبيوت سِر

وليرحل الأفذاذ مَن قد عَلموا
مادام صهيونٌ بهذا قد أمر

وليرحل الأبطال عنكم والألى
أنقى وأنصع – في الورى - من كل دُر

ما هل عساكم تصنعون بداركم
وفسادها بحراً وجواً ، بل وبر؟

فليرحل الفرقان منها والهُدى
وليهنأ الفساق فيها والنفر

هيا اذهبوا يا مخلصون لداركم
فالنبتُ مشتاقٌ لموفور المطر

مطر الهداية والتصور والعطا
مطرٌ يُرَجّى بعده حلوُ الثمر

والداءُ داءٌ واحدٌ ، وكذا دوا
ءُ القوم أيضاً واحدٌ ، وبلا تحر

الداءُ تنحية الكتاب عن الحيا
ة ، عن الأنام ، وثمّ تنصيبُ الخفر

أما الدواءُ فعودة للهَدي مُس
رعة ، وتحكيمُ الكتاب بلا خور

إن كان ذاك فقد ربحتم قومَنا
أو كان غيرُ فليس بعدُ سِوى سَقر

يوماً تقول: زيادة يا ربنا
فيقول: زدناكِ الخزايا والحَجَر

أسمعتمُ مُر الحقيقة قومَنا
فالحق مُرٌ ، إي وربّ الناس مُر

ماذا عليكم لو أطعتم ربكم
وسمعتمُ للحق في وقت اليُسُر؟

أحوالكم هذي تسُر عدوكم
وإذا بكم - بين الورى - فرٌ وكر

أما أمورُ حريمِكم فالهزل أف
سدهن ، والدينارُ يهتكُ في الستر

عبثتْ بهن المطرباتُ وكل عب
اد الهوى ، ومَشيْن في درب الوزر

عبثتْ بهن ، بعِرضهن ، بحسنه
ن ، بهديهن تشفياً سيليا كيلر

فالهزلُ أودى بالحياة وبالعُرى
والحق في المِحراب آيٌ مِن سُور

لكنما لا يأسَ ، لا تنفيرَ ، لا
تقنيط ، فالإسلام دينٌ مُبتثر

أما الطريق أمامهن فواضحٌ
وعلى جوانبه عديدٌ مِن بُشُر

فالله يغضب إن تمادى عبدُهُ
في غيه ، ويقولُ: أقصرْ يا أشر

والله يفرحُ عند عودة عبدِهِ
مِن أجل ذلك قومنا فلنبتدر

ولقد بدأتُ قصيدتي بالدمع فو
ق سريرتي ، يمحو الصخور مع المدر

يمحو كذلك كل عذب يانع
لا يُبقينّ بساح قلبي مِن خضر

ركزْتُ جُل قصيدتي في غربة الإ
سلام والتوحيد في جُل الفِقر

وأفاض رب الناس مِن بركاتهِ
فجرى المِدادُ على الكتاب كما الدرر

وأظن قارئ فكرتي بقصيدتي
فهمَ المرادَ ، وإن قلاه أقول: غِرْ

ولسوف أختم بالدموع قصيدتي
متوشحاتٍ سيفها وقت البُكر

دمعٌ على توحيدنا ، دمعٌ على
أخلاقنا ، يُشجي ويُمتع لا يضر

لكنه دمعٌ يُبشّر بالهنا
ولكَم إلى نصر الحنيفة نفتقر

© 2024 - موقع الشعر