أبو ذر في القرن الخامس عشر - عايض القرني

دمعة الزهد فوق خذك خرسا
ووجيت الفؤاد يحدث جرسا

أنت من أنت يا محب وماذا
في حناياك هل تحملت مسا

ما لهذي الدموع مالك صب
حالكم مأتم وقد كان عرسا

شامة الزهد في محياك سارت
قصة تطمس الحكايات طمسا

قال: أزمعت هجرة بيقينى
قد مللت المقام وازددت بؤسا

وأمة الصحراء تروي حديثا
يتوالى يفيض روحا وأنسا

تشتكي بعده وتهدي إليه
زفرات الحنين جنا وأنسا

هجرت نومها وأسهرها الحب
فيا جندب تري أين أمسي

جاءها يقطع الرمال وحيدا
يركب الليل يصحب الذئب خمسا

كلما حل قفرة سار منها
يتوارى يحبس ممشاه حسا

قال: يا أرض يا رمال خذيني
كفينني إني عشقتك رمسا

دولتي جعبتي وكنزي يقيني
فإذا ما وصلت فالأكل ينسى

طاردتني الدنيا فطرت برجلي
واتخذت البلاد رحلا وحلسا

عشت فردا والناس مليون حولي
وأراها الذئاب غلسا وطلسا

خولوني هددتهم هددوني
بالمنايا لاطفت حتى أحسا

أركبوني نزلت أركب عزمي
أنزلوني ركبت في الحق نفسا

أطرد الموت مقدما فيولي
والمنايا اجتاحها وهي نعسا

قد بكت غربتي الرمال وقالت:
يا أبا ذر لا تخف وتأسا

قلت: لا خوف لم أزل في شباب
من يقيني ما مت حتى أوسا

أنا عاهدت صاحبي وخليلي
وتلقنت من أماليه درسا

لوحوا بالكنوز راموا محالا
وأروني تلك الدنانير ملسا

لا أريد المتاع قد صنت نفسي
فدعوا عرضكم فرأسي اقسي

كلها لا أريد فكوا عناني
أطلقوني أسير في الأرض شمسا

واتركوني أذوب في كل قلب
أغرس الحب في حناياه غرسا

أجتلي كل روضة بدموعي
وأبث للأزهار في الروض همسا

هذه خيمتي وهذا مكاني
ونشيدي الرياح لحنا وجرسا

خفت الصوت في التراب وماتت
عزمات كالفخر تنبس نبسا

واختفت سيرة طوتها الليالي
وتوارت ذؤابة الزهد حبسا

استرح يا فؤاد يا نفس قري
واكتبي قصتي بسبعين طرسا

أين ميراثه لينعم فيه
عاشق المال أين مالك أرسا

بردة أبلت الليالي سداها
وتركت العصا وخلفت ترسا

© 2024 - موقع الشعر