موسم الشهداء - حامد حسن معروف

ألغدرُ اطفأ - يومَ أطفأكَ السَّنا
واغتالَ من دنيا المُنى دفءَ المُنى
ورمی - غداةَ رماكَ - مهجةَ أمَّةٍ
وغداً، وتاريخاً ، وأثكلَ موطناً
يا موسمَ الشُّهداء إنَّ بني أبي
كانوا القطافَ ، وكنتَ موفورَ الجنى
أنا ماعرفتُك يا "محمَّدُ" إنَّما
بالسَّمعِ يُنتهبُ الجمالُ ، ويُجتنى !
ما كانَ أبلغَ لو رثيتُكَ صامتاً
وغدوتُ من بعد الفصاحةِ ألكنا !!
لولاكَ ، لولا مأملٌ نحيا له
وعقيدةٌ مازلتُ فيها مؤمنا !..
لبرئتُ منها أمَّةً كانت ، وما
زالتْ تغضّ على الهَوانِ الأعيُنا
رأت الخلافَ شريعةً وذريعةً
والحقد ديناً ، والتَّخاذل دَيدَنا . .
لم تُبقِ للتَّاريخ من قِيَمٍ سوى
قِيَمِ العمالةِ ، والخيانةِ ، والخَنى
وتنكّرتْ للمُعطياتِ ، فضيَّعتْ
من جهلها ، حتَّى المنى و المأمنا
يبني أخي عند الصَّباح ، وقبلَ ما
يأتي المساءُ عليَّ ، أهدمُ ما بنى
لبنانُ محترقٌ ، و ما دفعوا الأذى
عن شعبِهم . . لكنَّهم شَمِتوا بنا
أرضُ العروبةِ ، والنُّبوَّةِ أصبحتْ
بعدَ القداسةِ كلُّها مهدَ الزِّنا
هدموا عمادَ المسجدِ الأقصى ، ولو
شاؤوا ضريح نبيِّ "مكَّةَ" أمكنا
والذُّلُّ لا يرضى مذلّتها ، وهلْ
يرضى ؟ وقد صارتْ أذلَّ و أهونا
أنكرت "يعربَ" في مذلَّتهِ أباً
وأبيتُ أرضك بعد عارِك مسكنا
أنا في الطَّريقِ إلى ضريحِ "محمَّدٍ"
و كأنَّني ألجُ الطَّريقَ إلى "مِنى"
أنا في ثرى الجدَث المكفّنِ بالضُّحى
عبرَ الصَّباحُ بهِ ، فحيَّا ، وانحنَى
جدَثٌ بأحضانِ الطَّبيعةِ هاجعٌ
فوقَ الذُّرا العَطِراتِ بعدَ المنحنى
يغفو على "الموَّالِ" منهلاً على
شبَّابةِ الراعي ، ورجعِ "الميجنا"
وتقيلُ فيه السَّاجعاتُ إذا شكتْ
حرَّ الظَّهيرةِ تستريحُ منَ الونَى
قبّلتُهُ ، ومرغتُ أجفاني على
عَتباتِهِ ، متبرِّكاً متيمّنا . .
أنفقتَ عمركَ كلَّهُ طمعاً بما
يُرضي العُلا ، وزهادةً في المُقتَنى
ورأيتُ بيتك خالياً من كلِّ ما
يحتاجُه ، فكأنَّهُ بيتي أنا !!
كوخانِ خيّمت الخَصاصَةُ فيهما
والكوخُ أبعدُ ما يكونُ عنِ الغنى
لم تَغبنِ الدُّنيا سوی متعفِّفٍ
حرٍّ ، وحقُّ الحرِّ أن لا يُغبَنا
كلُّ المنى ، ورغائب النُّعمى ، لهم
إرثٌ ، وكلُّ مرارةِ الدُّنيا لنا !!
سيثورُ حقدُ الجائعينَ فلم يدعْ
في الأرضِ شيطاناً ، ولا من شَيطَنا
وجحيمِ ملحمة إذا القدر انثنى
عنها ، فعزم "أبي أسامة" ما انثنى
ألافق مثلَ الأرض ألف جهنمٍ
هدرت هناك ، و ألف زلزلة هنا
تَرِبت يد الانسان كيف أحاله
ترفُ الحضارة بربرياً أرعنا
باركتُه في غابة متوحّشاً
ولعنتُ زيف ضميره متمدّنا !!
لم تبق دمدمةُ اللَّطى في ساحها
إلى صريعِ شهادة ، أو مُثخَنا
و رأيتَ في نعمى الشهادة عالماً
أشهى إليكَ من الحياةِ ، وافتنا
ودم الشهادةِ لو تحدَّرَ عابراً
في الجمرِ أعشبَ في اللَّهيبِ ، ونيسنا
والحانيانِ على ضريحكَ لو رأى
حتَّى الجماد حنوّ قلبهما حنا
إن رف طيفهما نديَّ ترابه
شهقَ الضريح تفجّعاً ، وتحنّنا
يا رب ، هل أثمَ اليتيمُ ، وهل عصى
إن راحَ يسألُ ، أو سألتُك : ما جنى ؟
من أطفأ البسمات حالية على
شفتيهِ ؟ والفرح البريء آذارنا ؟
لو كنتُ أمتلكُ الصباحَ سكبتُه
وأضأتَ جانحتَيْهِ كي لا يحزنا
أنا لا أرى يوماً كيومِ ( محمَّد )
ذبح الطفولةِ ، والرجولةِ ، والمنى
يا ابنَ الغطارفةِ الألى لولاهم
لم تُورق النُّعمى ، ولا المجد ابتنى
أنا من تناهبه السقام ، وعربدت
في صدرهِ مجنونة نُوبَ الضنى
وسلكنَ بين ضلوعه فاذبنها
وعبرن فوق جبينهِ ، فتغضّنا
وارتاد بيتكم ، و يفخر أنَّهُ
صحب " الحسين " به ، وعاصرَ "محسنا "
عَلَمانِ ما انسكب البيان على فمي
وانهلَّ من شفتيَّ لو لم يأذنا
واليتُكم ، والحبُّ يبدأ شاغلا
حيناً ، ويصبح علّةً إن أزمنا
كَرْمُ الوفاء غرستُه ، وجنيتُه
وعصرتُ خمرتهُ ، وكنتُ المدمنا !!
عيناي مجدبتانِ من نِعَم الرؤى
فمتى يرفّ نديُّ طيفك موهنا ؟
تنأى ، وتبقى ماثلاً في خاطري
طيفَ الأحبَّةِ كلَّما بعدوا دنا
أثنى عليكَ الشاعرونَ ، وإنَّما
في مذهبي ، أنتَ الثناء على الثنا
© 2024 - موقع الشعر