جراح

لـ حامد حسن معروف، ، في الرثاء، 1

جراح - حامد حسن معروف

عَبَرَ الحَياةَ - كَما أَرادَ - مُكافِحا
غَرِداً على فَنَنِ البَيانِ ، وَصادِحا
فِكْرٌ يجوزُ بهِ المَدى ، وخيالُهُ
يطَأُ الكَواكبَ في المَجرَّةِ سابِحا
ويكادُ يكشفُ سِترَ كلِّ مُخبَّأٍ
ويجوبُ دُنيا كلِّ نفسٍ فاتِحا
وإذا اطْمَأنَّ إليكَ طابَ مُحدِّثاً
وإذا اسْتَخفَّكَ راحَ يغمزُ مازِحا
نضُرتْ سماتُكَ والبَيانُ وطَالما
نضُرَ الكريمُ سريرةً وملامِحا
المُتَّقونَ ! كما يُقالُ - وبعضُهمْ
يغشى الصَّلاةَ مُعاقِراً ومُسافِحا !!
الصَّالِحونَ ! وكلُّ شيءٍ فيهُمُ
تلْقى إذا فتَّشتَ إلَّا الصَّالِحا !!
عندي وعندَكَ يا ( مُحمَّدُ ) عنهُمُ
خبَرٌ أضيقُ بهِ وتعجزُ شارِحا
نفَرٌ يرى قِيَمَ ( الكتابِ ) وسائِلاً
فإذا اطْمَأنَّ أحالهُنَّ مَصالِحا
نَفَرٌ لوِ انْفَتحتْ خبيئةُ نفسهِ
وتكشَّفتْ ملأَ الزَّمانَ فضائِحا
في كلِّ ناحيةٍ وكلِّ محلَّةٍ
منهمْ أرى وكِلاً ، وأسمعُ قادِحا
عَقِموا ، ولمْ يلقحْ عقولَهمُ الهُدى
لا والَّذي بعثَ الرِّياحَ لواقِحا
قتَلوا بمنطقِهمْ ، وهلْ منْ فارِقٍ
أنْ كانَ سيفُكَ أو لِسانُكَ ذابِحا ؟
منْ راحَ يسْعرُ نارَها عصبيَّةً
ما كانَ مُتَّئداً ، ولا مُتسامِحا
أنا فيهمُ ، وأكادُ أبرأُ منهمُ
وأعيشُ بينهمُ غريباً نازِحا
أثْخنتَ في القومِ الجراحَ نكايةً
هلْ كانَ قولُ الحقِّ إلَّا جارِحِا ؟
لمْ ترمِ يومَ رميتَ إلا غادياً
مُتمرِّغاً في ما يُريبُ ، ورائِحا
قارعْتهمْ ، فتميزا غضَباً ، ولو
جنحوا إلى سلْمٍ لكُنتَ الجانِحا
ومنِ اسْتَطابَ مِنَ الحقيقةِ مَورداً
وجدَ الفُراتَ وكلَّ عذْبٍ مالِحا
كمْ لي ، وكمْ لكَ يا ( مُحمَّدُ ) وقفةً
في ( اللاذقيَّةِ ) شاطِئاً ومَطارِحا ؟
والشِّعرُ تسكبُهُ نديَّاً نافحاً
حيناً ، وأحياناً لهيباً لافِحا
عبَّأتَ بعضَ كُنوزهِ ، وأدرتَها
في النَّاسِ متَّجِراً فكُنتَ الرَّابِحا
عبرَ الشبابُ وفاتني ، فجلوتُهُ
طيفاً بعاطرِ ذكرياتِكَ نافِحا
لو كانَ لي أملٌ صبوتُ إلى غدٍ
أو طابَ يومي ما امْتَدحتُ البارِحا
أو أنَّ ما في جانحيَّ مِنَ الأسى
في الدَّهرِ ناءَ بما تحمَّلُ رازِحا
هذي الجبالُ على المدى ما أطلعتْ
أكواخُها إلا النَّبيلَ الكادِحا !
غرقتْ بذوبِ النُّورِ كفِّي عندما
وافيتُ قبرَكَ يا مُحمَّدُ ماسِحا
ودعوتُ غُرَّ القافياتِ فشاركتْ
في الحُزنِ نائحةً عليكَ ونائِحا
نضُرتْ سماتُكَ والبيانُ وطالما
نضُرَ الكريمُ سريرةً وملامِحا
© 2024 - موقع الشعر