من سلبيات الغربة - أحمد علي سليمان

عجبتُ ، ورجّ فؤادي العجبْ
فيا ليت أنيَ لم أغتربْ

عقودي الثلاثة في غربتي
دهتْ عزمتي بالأذي والنصب

وذقتُ الأمَرّين مِن صُحبتي
فيا ليتني العِيرَ لم أصطحب

وجَرّعني الضنكَ مِن بعدهم
أناسٌ لئامٌ لهم أنتسب

وفتشتُ في القوم عن مُحسن
يُزيلُ عن القلب هذي الكُرب

ويحملُ عني هموماً طغتْ
ويرفعُ عن كاهليّ الوَدَب

ويستغرقُ الوقت في خِدمتي
وعند المليك الجزا يحتسب

وجُرحُ القرابة مُستأصِلٌ
ويعصمُ منه الهُدى والأدب

وأهْوَن منه جراحُ العِدا
وإن بقيتْ فترة تلتهب

فلم ألق في غربتي مُحسناً
فواجهتُ وحدي صُنوفَ النوب

وطالتْ عليّ سِنيّ البلا
كأني بها أصبحتْ كالحقب

ودرّسْتُ قوماً فما عُلّموا
وفيهم خطبتُ مُبينَ الخطب

فهل كنتُ أنفخ في قِربة
وقد مُزقتْ مثلَ باقي القِرب؟

وصاحبتُ قوماً ، ولم يُخلصوا
وصُحبة أهل الوفا تُطلب

ولكنْ شَرقتُ بمجموعةٍ
إذا رُمتَ خُلتهم تُنتهَب

وإنْ رُمتَ إصلاحَهم أفسدوا
وإن رُمتَ إسعادَهم تكتئب

يميناً تألمتُ في غربتي
وعيشي بآلامها يختضب

وربيتُ جيلاً ، فهل برّني؟
أم انساقَ يصنعُ ما لا يجب؟

فلما رجعتُ إلى قريتي
وجدتُ الحياة بها تضطرب

على هامش العيش ألفيتني
وأغلبُ صَحبي بجوف التُرَب

عليهم مِن الله رضوانُه
بما قدّموا مِن عظيم القُرَب

وأهل الشِمات بدا سعدُهم
وجاؤوا عليّ كجيش لجب

وأمسيتُ أجترّ خطباً عتى
وللخطب كان عليّ الغلب

فخارج داري طغتْ غربتي
وقاسيتُ قهراً عليّ كُتِب

وداخل داري قضتْ غربتي
عليّ بأن أصبح المغترب

وهل بين أهل تُرى غربة
ومِن ذاك أعجب كل العجب

فيا رب خففْ لظى غربتي
لديك إلهي جميعُ الحِسَب

© 2024 - موقع الشعر