وما يفعلوا من خير فلن يُكفروه! - أحمد علي سليمان

ما كنتُ يوماً - بما أسديه - مَنانا
وما انتظرتُ - لفعل الخير - عِرفانا

وكم بذلتُ مُروءاتٍ أردتُ بها
مِن المليك فيوضاتٍ ورضوانا

وكم تفضلتُ في سر وفي علن
وما ارتقبتُ على المعروف شكرانا

وكم نصحتُ مُعيراً كل تجربتي
وسُقتُ وعظي على الإخلاص برهانا

وكم شفعتُ لمن أشياعُه عجزوا
عن الشفاعة لمّا وقتها حانا

وكم ترفعتُ عن سُوآى مُعايرة
كيلا يُقال: غدا بالجود منانا

وكم كسبتُ مَودّاتٍ بمَرحمةٍ
وبالتراحم يغدو الناس إخوانا

وكم أمطتُ أذىً عن درب سابلةٍ
فالله يأجرُ مِعطاءً ومِعوانا

وكم منحتُ ريالاتي لمن عدموا
مَن عال بالأمس أطفالاً ونسوانا

وكم صحِبتُ رجالاتٍ أتيهُ بهم
فخراً وكانوا على الخيرات أعوانا

وكم أغثتُ أناساً نجدتي طلبوا
وبتّ - بالنجدة الزهراء - رَيّانا

وكم أعنتُ الألى - في شدةٍ - ضعُفوا
جبراً لخاطرهم ، حباً وإيمانا

وكم سمعتُ ندا الملهوف مُحتسباً
مِن بعد أنْ لم يجد – للغوْث - آذانا

وكم تفرّستُ في الأحوال أدرسُها
وكم نصبتُ - لمَا عاينتُ - ميزانا

وكم طرقتُ - لبذل الخير - بادية
وكم نشرْتُ - لمَا أنويه - ديوانا

حتى التقيتُ عجوزاً في قرَيّتها
وكان - من أمرها العجيب - ما كانا

يا قاعداً نخرَ المشيبُ أعظمَها
والشيبُ كم يدعُ الحليم حيرانا

مَن أنت؟ قالت: عجوز لا قريبَ لها
وحصّلتْ - في كِرام الناس - سُلوانا

والله أبدلها - من أهلها - زمراً
صاروا - لها - رحماً تُؤوي وجيرانا

كلٌ يُبادلها شعورَ مُحتفلٍ
بقربها ، فغدوْا – بالوصل - خِلانا

وكنتُ أشفقتُ أن تحيا بمفردها
حتى تخاطب طول الدهر حِيطانا

وكنتُ قارنتُ ما أحيا بعيشتها
وإن بينهما شتان شتانا

فقلتُ: بالله هل دَورٌ أقومُ به
إليه - بين الورى - نَدبتِ إنسانا؟

أو خدمة لا تفوقُ الآن مقدرتي
أسوقها لكِ - دون الغير - مَجانا؟

قالت: رعاك مليكُ الناس ، مَسألتي
قد أعجزتْ ، ونعتْ شيباً وشبانا

إني تمنيتُ حجّ البيت عن رغبٍ
لكنْ حُرمتُ الذي أردتُ حِرمانا

والكل حوليَ حجّوا البيت واعتمروا
وما استطعتُ - لهذا البيت - عمرانا

حاولتُ لكنْ خبتْ فحوى محاولتي
فلم أحجّ ، لذا أخافُ خسرانا

فقلتُ: أسألُ كيف الحلّ ، فانتظري
وسوف أرجعُ – بالجواب - جَزلانا

إن شاء ربي أنا - على الوفاء بما
وعدتُ - مُلتزمٌ ، أرجوه تحنانا

حتى ظفرتُ بقاض – بالرشاد - سما
والله آتاه - في التحكيم - سلطانا

فقال: إن الذي تنويه يا ولدي
خيرٌ ستُجزى على شِقيْه إحسانا

شِقٌ يخصّك أن تكون منقبة
واللهُ يجزيك تثبيتاً وغفرانا

وشِق حائرةٍ ، أعوامُها انصرمتْ
والشيبُ داهم عُمراً ، كان مزدانا

تريدُ حَجّاً ، ولا تلقى مَحارمَها
وليس تملك أخوالاً وولدانا

فاعقدْ عليها ، ستغدو مَحرماً وكفى
ربي جميعَ الورى بغياً وعُدوانا

فقلتُ: هذي إذن أعتى مُخاطرةٍ
سأستشيرُ قراباتٍ وأقرانا

فقال: لا تستشرْ ، واسمعْ لمُقترحي
ولا تحدّثْ به أهلاً وندمانا

والعقدُ ليس هنا على حقيقته
لكنها حِيلة تُعطيك إمكانا

فانصعتُ للأمر لمّا حان مَوعدُه
وكنتُ أمْعنتُ - في عُقباه - إمعانا

وسرتُ - للحج - منقاداً لرغبتها
وكنتُ لبّيتُ إقراراً وإذعانا

أما العجوز فقد أدتْ مناسكَها
وأكملتْ خمسة للسلم أركانا

وبعدُ عادت معي إلى قرَيّتها
وعدتُ للأهل ، إذ جاوزتُ بُلدانا

فقلتُ: ماذا إذا الطلاق فرّقنا
إني أراه - لهذا العقدِ - فرقانا

قالت: بُنيَ ، فأبق العقدَ ، وامض به
فلن أعيش - وقد عمّرتُ - أزمانا

فلم أطلقْ بتاتاً زوجة فرضتْ
وطال بُعدي ، وحبلُ الودّ ما هانا

ثم انشغلتُ بمشواري وجامعتي
حتى رُزقتُ لمَا قارفتُ نِسيانا

وعدتُ بعدُ إلى زوجي وموطنها
فقيل: قد فارقتْ دُوراً وأوطانا

فزرتُ غرفتها ، أبكي على طللٍ
وبعدُ طالعتُ أثوابا وجدرانا

وفجأة أمسكتْ كفي وثائقها
وإذ بواحدةٍ تفوقُ أثمانا

ملكية لأراضٍ صِرتُ وارثها
بلا شريكٍ فمَن ذا مثليَ الآنا؟

والعقدُ أثبت حقي في مُوَرّثتي
أنا الذي كنتُ - مِن بلواهُ - غضبانا

أردتُ خيراً ، وربُ الناس باركَه
وقال أهلي: لقد أصبَحتَ أغنانا

© 2024 - موقع الشعر