ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض! - أحمد علي سليمان

بمثلك يُقهرُ قلبُ اليتيمْ
ويُمْسي رهينَ الأسى والهمومْ

ويقتله - لو علمت - الجوى
ويحيا يُصارعُ وخز الغموم

ويعتلجُ الهمّ في نفسه
ويَشمتُ فيه جميعَ الخصوم

ويجترّ - مما فعلت - الأسى
ويصمتُ صمت الكئيب الكظيم

ويندمُ أن جاءكم سائلاً
نوالاً من الجعظري الظلوم

ويسحقة اللوم بين الورى
وليس المَعيب ، وليس المَلوم

تسوّلتِ الأمُ في حاجةٍ
وجلبابُها اليوم رث رَديم

ولم يطعَم اللحمَ أبناؤها
وأنى لهم بشراء اللحوم؟

وكل فتىً قد ثوى ثوبه
فعاش بثوب رثيثٍ قديم

وعانى الجميعُ اغتراباً طغى
وموت الأب العبقريّ الرحيم

وقسوة أهل بدا خذلهم
فكلٌ - بجَورٍ - يَدعُّ اليتيم

تسولتِ الأم ، ما أجرمتْ
ومَن ردها إن ذاك الجريم

أتسخرُ منها ، ولم تعطها
ألا إن هذا صنيعُ اللئيم؟

أتغري بها يا عديم الحيا
لتطعن أولادها في الصميم؟

فأما أبوهم ففي قبره
وهل في المقابر إلا الرميم؟

وأمهمُ قد غدرتم بها
ألا ترحمون انكسار الحريم؟

قسوتم عليها ، ولم تعطفوا
أما كان - فيكم - جوادٌ كريم

يمُن عليها ، ويحنو على
صغار - على أمرهم - ذي تقوم؟

أراكم كسرتم فؤاد التي
أتتكم بقلب نقي سليم

فأكملتِ اليوم في سجنها
وليلُ السجون طويلٌ بهيم

فيا ليتكم إذ مكرتم بها
وعظتم بلفظٍ يُزيلُ الوجوم

وأخرجتموها إلى عالم
به مَن يجود ، وليس يلوم

كمثل التي حبستْ هرة
ألا إن هذا لفعل ذميم

فما أطعمتها ، ولا قدمتْ
شراباً بيوم بئيس وَجيم

ولا أطلقتها لتأكل مِن
خشاش تخبّأ تحت الأديم

فماتت من الجوع إذ غالها
ألا إن هذا مصابٌ وخيم

وكان الجزاء على موتها
دخول الولية نار الجحيم

ليأخذ جميعُ الورى عِبرة
لقد ينفعُ الدرسُ مَن يستقيم

© 2024 - موقع الشعر