وعظتْ أباها ثم ماتت - أحمد علي سليمان

قد اختصرَتْ نصيحتها اختصارا
ليعتبر الأبُ الغِرّ اعتبارا

ويَحذرَ من أمان خادعاتٍ
ولا يغتر بالدنيا اغترارا

وينظرَ في الأمور ، ولا يُداجي
ويُعلنَ - من معاصيه - الفرارا

ويحذرَ ما تخبئه الليالي
ويُقلعَ عن مصاحبة السُكارى

ويلتزمَ الهُدى ديناً ودنياً
فإن وراء ما يأتيه نارا

ويتخذ التقاة رفاقَ درب
فما عَدِمَ الهداةَ ولا الخِيارا

ويتبعِ الذين دَعَوْا لرشدٍ
لكي يزداد رشداً وادّكارا

ويتقيَ المليكَ ، فلا يباهي
بمعصيةٍ يُقارفها جهارا

ويخشى النار تحرقه انتقاماً
وتلقمُه المذلة والصَغارا

كفى ما كان من هزل وفسق
يَزيدُ المرءَ في الدنيا تبارا

ويصبحُ عِبرة بين البرايا
وبالعِصيان يَشتهرُ اشتهارا

ويُمسي مُثلة في كل قوم
وللترغيب يضطرُ اضطرارا

ويركبُ موجة ، ويُزيحُ أخرى
ويخبط عامداً خبط الحيارى

ويرضى بالضلال هوىً وسَمتاً
وبالغادات يفتخرُ افتخارا

فتلك عشيقة ، عذبٌ هواها
وليس جمالها أبداً يُبارى

وتلك رفيقة شهدٌ صباها
وإن وضعتْ على الحُسن الخمارا

وتلك كلامُها ذهبٌ سبيكٌ
إذا أجرتْ مع الصَب الحوارا

وتلك الخَمْر تجعلها غزالاً
وتطربُ إن تناولتِ القِمارا

حياة كلها خمرٌ ودعرٌ
وعُهر في سراديب العذارى

وتخديرٌ وموسيقى ورجز
كأن رفاقَ سهرتنا نصارى

وتلك مصيبة بلغت مَداها
وموتُ المرء فيها قد توارى

صدقتِ بُنيتي ، وكفى انحطاطاً
وذلاً في الخلائق وانتحارا

كأني بين مَن فسقوا أسير
فهل لومٌ على قوم أسارى؟

نصحتِ فكان نصحُك مِن فؤادٍ
بنصح الناس يزدهرُ ازدهارا

ولم يُغلظ - فدته الروح - قولاً
ولم يُكثرْ ، بل اختصر اختصارا

لذا صليتُ فجري مُستكيناً
ودمعُ العين ينهمرُ انهمارا

وأنصتَ للقراْن العذبِ قلبي
وإيماني قد اتخذ القرارا

وودعتُ المعاصيَ دون عَودٍ
وزايلتُ الرعاديدَ الشرارا

وللرحمن عُدتُ بلا افتراق
قد انكسرَ الفؤاد له انكسارا

وولى ليل معصيتي بعيداً
سأرضي خالقي ليلاً نهارا

يمينَ الله أنتِ هديتِ نفسي
لذا انتصرتْ على الفسق انتصارا

وأبصرتُ الطريق إلى المعالي
وحبُ الله بات لها شِعارا

وتابت من ذنوب سربلتها
وصححتِ المقاصدَ والمَسارا

وبات الصدقُ ديدنها ، لهذا
قد اقتصرتْ على الشرع اقتصارا

ولم تقبلْ - عن التقوى - بديلاً
لأن الشر جرّعها المَرارا

وعُدتُ - من الصلاة - إلى فتاتي
لأشكرها ، فقد كانت مَنارا

وأمنحُها الجوائز والهدايا
وعما قلتُ أعتذر اعتذارا

وأجعل - من دموع التوب - بُشرى
تزفّ لها البشائر والفخارا

فجاء الموت بالمرصاد يجني
فتاة أصبحتْ تعظ الكبارا

وما فتئتْ تذكّرنا ، وتدعو
وجاء الموت يقتحم الديارا

وفاجأني بموت حياة قلبي
وفاض الدمعُ يخنقني بحارا

ليرحمْ ربنا أغلى فتاةٍ
فعن لقياه لم تطق اصطبارا

وأدخلها المليكُ جنان عدن
وألبسها القلائدَ والسُوارا

وصبّرنا الإلهُ على ابتلاءٍ
يُجرّعنا الكآبة والمَرارا

ولولا رحمة المولى فتِنا
وألزمَنا تألمُنا الخسارا

لطيفٌ ربنا لمّا ابتلانا
فقد أدتْ رسالتها اختيارا

وذكراها على الأرواح خُطتْ
وسوف نعيش نحترمُ الصِغارا

سلامُ الله يا فضلى عليكِ
أيا نوراً - عن الدنيا - توارى

© 2024 - موقع الشعر