وحي الطبيعة - أحمد علي سليمان

الطيرُ في جو السماء يلى الشفقْ
والنور ساج في يواقيت الأفقْ

والعطرُ في الأجواء فواح الشذى
والزهر يضحك ، يُرسل الأرجَ العَبق

والوردُ محبورُ السريرة باسماً
تزهو به الأغصان ، نعم المرتفق

وربيعُ أيام الحياة متوَّجٌ
تاجَ الوقار يسُد آمادَ الشفق

أما النسيمُ ففارسٌ يحمي الحمى
ويُزيل من دنيا السقيم أسى الأرق

والشمسُ ناعمة المُحيا والسنا
وشعاعُها في كل صُقع ينطلق

والبحرُ كالأسَد الهصور مزمجراً
والموجُ يعدو ، ثم يُضنيه العَرق

والليلُ كالضيف الأريب على الدنا
فرش العباءة في ثنيّات الطرق

أما النهار فشاعرٌ ذو ثورةٍ
يبكي الفضيلة في السراب ، ويختنق

وعقارب الأوهام تلسع جلده
مسكينُ يا هذا النهار المحترق

وأرى الضباب على التراب معذباً
وثعالبُ الإجرام تجري تستبق

أما السحاب فزورق متأرجحٌ
في التيه أردتْه المصائب والرهق

والطل منبعجُ الجبين معفرٌ
بالحزن ، لم ينطق بشيءٍ من رمق

مطرُ الحياة على الفؤاد كما السنا
وعلى تراب الأرض يسطع كالورٍق

وهواء هذا الكون عذبٌ سائغٌ
كرحيق زهر يانع لا يفترق

وأديم هذي الأرض كالنجم خبا
مَن ذا رماه بعلةٍ فسيحترق

هذي الطبيعة ، والمُهيمن خالقٌ
سبحان ربك ، بعد خلق قد رزق

والكون مربوبٌ له ولأمره
فالكل يملك أمرَه رب الفلق

الله أكبر يا طبيعة كبِّري
لا يحتويكِ اليوم شعري في الورَق

ويراعيَ المسكين يَقصُر حبره
واللفظ يعجز أصله والمختلق

وأريجُ شعري في جمالك قد سرى
وعبيرُ أخيلتي ببحرك قد غرق

ولهيبُ أشرعتي تلجلجَ في الثرى
وشعاعُ تجربتي تدثّر في الخرق

ومِدادُ نظمي فوق قرطاسي غفا
ورمادُ أسئلتي يعرقله الغسق

وعباءة الكلمات خجلى تنثني
ولهاث صوتي في البيادي ينطلق

رفقاً أيا هذي الطبيعة ، إن لي
- في الشعر - ألحاناً تُشيحُ وتندَلق

© 2024 - موقع الشعر