هواجس الأطياف! (ابن ضيخان) - أحمد علي سليمان

الطيفُ يلهو بالألمْ
والشوقُ يضربُ في العدمْ

والشيبُ قد نثر الجَوى
فوق الجبين المُحترم

في العين دمعٌ صامتٌ
أمسى يُعرقله البَكَم

في نورها جُرحتْ ، ولم
تبرا الجراحُ وتلتئم

والعمر أضحى راحلاً
وكذاك قُدرتِ القِسَم

وقرأتُ في عينيه مِن
ماضي الزمان المنبهم

وقرأت في صفحات أم
س مستريب منصرم

عينان غائرتان في
صحن الجبين ، كما الأكَم

عينان ذابلتان في
وجهٍ تمرّغ في الكرم

في كل عين نفحة
زهراءُ عاطرة النغم

كرمٌ تمادى للذرى
وأصالة تمحو السأم

وبداوة قرشية
تُضفِي السرور على النغم

وعَراقة قبلية
والبدو أصحاب القِيم

قيمٌ بلا عز هَوا
وبلا رجالاتٍ سَقم

بدتِ الأناملُ كالثرى
والكف أضناها الألم

وأظافرٌ نشوى بها
وأصابعٌ فيها صمم

والظهر أحناه الأذى
ما عاد تحمله القدم

والجيدُ مضمورُ القفا
قد كان يوماً في القمم

وفمٌ بلا سِن ولا
ضرس ليطحن ما التقم

لكنه في صحوةٍ
وبها يجود ويبتسم

والأذنُ ، لا سمعٌ بها
وتصيخُ إن كانت حِكَم

والشَعر صوفٌ مُقفرٌ
أودى برونقه الهِرَم

والرأسُ مثل ثغامةٍ
بالأمس كانت كالظلم

أما الذراع فسعفة
كم ذا أطاحت من عِمم

وكذا اللسان حروفه
هُوجٌ كألحان العجم

والخلق يفنى كله
والمُلك لله الحكم

الشيب ما في الشيب مِن
عيب ، ولا أدنى تهم

فالشيب مدرسة الورى
كم فيه من عذب الكلم

ولكَم حوى من عِبرةٍ
مِن ذكرها اعتبر الصنم

كم نعمةٍ وُهبتْ لنا
والشيبُ من هذي النعم

فهو النذير إلى الفنا
كم فيه من عِبرٍ وكَم

فلقد قرأتُ صنيعه
في وجه صاحبنا الهَرم

وشربت قهوته ، وقد
سطرت شعراً بالقلم

وسألت نفسي فجاة
أأشيب جسماً ، والحُلم؟

أيبدلُ الشيبُ الصبا
وكذا الشبابَ المرتسم؟

هل يذبل الزهر الذي
إرواؤه عطرٌ ودم؟

هل يذهب العقل الذي
أثرى يواقيتي ، وتم؟

يا ليت أني لم أكن
شيئاً ، ولا كان الندم

أطيافُ عمري ، والرؤى
في القلب ، باتت تضطرم

وإلى لقاء مهيمن
في موقفٍ سام عمم

والمرءُ فيه ففائزٌ
برضا الإله ، به اعتصم

أو خاسر أخرى ، ولا
تلقاه إلا المنهزم

مَن كان يرجو جنة
فليتّبعْ ، وليستقم

© 2024 - موقع الشعر