هذه بندقيتي وهذا كفني - أحمد علي سليمان

أعلنتُ - بعد جريمتي - استسلامي
فتخلصوا من كيد الاستذمامِ

وأتيتكم في ثوب مَن لعِق الجوى
وقلا الهنا من قسوة الآلام

لم تكتحلْ عيني بغمض ليلة
ومُشتتُ الأفكار كيف يُعامي؟

وأبيتُ منكسرَ الفؤاد مُعَذباً
أحيا أسيرَ الضنكِ والإيلام

وأسيرُ فوق الشوك يجرحُني الأسى
والقلبُ - من فرط الهواجس - دامي

هذي الرصاصة سَببتْ لي مأزقاً
حتى غدوتُ فريسة اللوام

وأحالتِ الأنوارَ مِن حولي دجىً
كيف المعيشة في بهيم ظلام؟

إذ جندلتْ شهماً وفياً صالحاً
كم كان عنا - في البلاء - يُحامي

وأقامتِ العَثراتِ بين أماجدٍ
متآلفين مبجلين كِرام

وبها أزيلت وحدة وأواصر
بين القبائل صفوة الأقوام

وبها تصرّمتِ الوشائجُ والعُرَى
تلك التي لم تشْكُ أيّ فِصام

وبها تأجّجَتِ العداوة والجفا
من بعد ود بيننا ووئام

وبها تسعّرتِ الدغاولُ تجتني
ما تشتهي من عِشرة وسلام

وبها تفاقم الانتقام مُحطِماً
ما بيننا من ألفةٍ ودِعام

وبها انبرى للثأر كل سَمَيدع
مُستقتل مُستبسل مِقدام

وبها تلاشت ريحُ كل قبيلةٍ
وسرى لهيبُ قطيعةٍ وخِصام

وبها تمرّقتِ المحبة والإخا
وسعى الوشاة لقطع كل سَوام

والآن جئتُ أسحّ عَبرة نادم
ممزوجةٍ بمَرارة استرحام

كفني على كفي ، ولستُ مُخيّراً
لكنْ يسير الأمرُ بالإرغام

والبندقية بالذخيرة عُمّرتْ
ناولتها قوماً ذوي أحلام

ناشدتهم حقن الدماء تكرّماً
والأجرُ عند الواحد العلام

وليقبلوا دِيَة القتيل من الذي
عانى من الكرُبات والأوهام

وليرحموا نفساً تشتت أمرها
مِن هول ما تلقى مِن الآثام

وليجعلوني في مَقام قتيلهم
لأقومَ بالأعباء خيرَ مقام

ولئن أرادوا القتل ، إني جئتهم
والبندقية فصلُ أيّ خِتام

أنا لا أخافُ الموت ، إذ أنا فارس
أسعى - إلى الهيجاء - كالضرغام

لكنّ ثأر القوم يُقلقُ مَضجعي
وكأنني أوغلتُ في الإجرام

وكأنني سدّدتُ رمية عامدٍ
يهوى - من الأعماق - ضربَ الهام

أوَلم يكن هذا من العبث الذي
يأتيه - بين الناس - عقلُ غلام؟

البندقية ألهمت تفكيره
طفلٌ حديث رضاعةٍ وفِطام

هو قال: هذي لعبة مثل الدمى
أو آلة تُشجيه بالأنغام

وأبوه لم يفطنْ إلى أفكاره
تلك التي تُفضي لشر مُرام

يا رب فاغفرْ - يا مُهيمِن - زلتي
واغفرْ مثالبَ عَثرتي وكلامي

© 2024 - موقع الشعر