هارون الرشيد والبَرمكيّة - أحمد علي سليمان

ذكاءٌ ما رأيتُ له مِثالا
فقد فاق الحقيقة والخيالا

وحِكمة نابهٍ حسِن السجايا
وفلسفة تخللت المَقالا

وفقه في الجدال يصدّ خصماً
ويرتجلُ الردودَ - له - ارتجالا

وعلمٌ يمتطي سُرُجَ المَعالى
ليَمتشق الإجابة والسؤالا

وتلك فِراسة ليست تُبارى
ويَعجز - عن تفهمها - الكُسالى

وهارون الرشيد بها تحلى
وحاز بها المَهابة والجَلالا

ونال بها المكانة والمَراقي
وحقق - في الرعية - الاعتدال

وكان خليفة عدلاً تقياً
وهذي مِنة المولى تعالى

ولم يَعضلْ به لغز خفِيٌ
به أصحابُه اشتغلوا اشتغالا

وبصّره المهيمنُ بالخفايا
فأعجز - بالمفأجأة - الرجالا

فكيف به إذا لقيته أنثى
تسوقُ اللغز فخراً واختيالا؟

وقد طمست معالمه تماماً
كما اتخذتْ على الوجه الحِجالا

وهذي (البرمكية) ذاتُ شأن
فقد ألقت - على القول - الظلالا

وبين يديه تدعو دون خوفٍ
وللرحمن تبتهلُ ابتهالا

وتذكرُ كيف رَمّلها شباباً
وتشرحُ ما تكابدُه الثكالى

وتمتحنُ الخليفة في بنيها
فكم حصدتْ معاركُه الشِبالا

وتبكي المال صُودرَ دون بأس
وتشكو - للأمير الشهم - حالا

وتُعْلِمه بضنكٍ مسّ أهلاً
وداراً والأقاربَ والعِيالا

وترْجعُ – بالرشيد - إلى زمان
سَقته - به - الترفع والدّلالا

وكانت – للرشيد - أبرّ أم
تُلقنه المَحبّة والوصالا

فكم ربّتْ وكم حنّتْ وأنّتْ
وكم هيَ جندتْ عَمّاً وخالا

وزوّجت (الرشيد) بمن تمنى
فتاة حُسنها اكتملَ اكتمالا

وبادلها المحبة حيث كانت
على دِين ، وكم حازت جمالا

وكانت – للبرامكة - التحايا
فقد كانوا له قوماً وآلا

فهشّ لها وبشّ ، وحل لغزاً
وسامحها ، وقال: أردّ مالا

وأما الزوجُ والأبنا فماتوا
بحكم لم يكن قاضيه غالى

فلا تدْعي عليّ ، أنا برىءٌ
وإنّ عليّ أعباءً ثِقالا

ألا هذي المَقولة أزعجتني
وسببتِ الدغاولَ والوَبالا

وقانا اللهُ شر اللفظ يودي
بذات البين ، يُورثنا الخبالا

© 2024 - موقع الشعر