هارون الرشيد المفترى عليه - أحمد علي سليمان

كفاكم - لخير الرجال - احتقارا
فكم أغرَتِ الترّهّاتُ السُّكارى

وكم بالأباطيل ضلت فِئامٌ
وكم جلب الزيفُ - للصِيد - عارا

وكم بالأراجيف ضاعتْ حقوقٌ
وكم أوقد الزورُ - للشُمّ - نارا

وكم بالأضاليل داجى سفيهٌ
وأجّجَ - في المُرجفين - السُعارا

وكم بالأكاذيب راجتْ ظنونٌ
وباتت - لمن يجتبيها - شِعارا

وكم بالأغاليط زلت فهومٌ
قد انحدرتْ – للضلال - انحدارا

وكم بالسفاهات لاحى جهولٌ
ليُلحق – بالصالحين - الشنارا

وكم بالحماقات بارى ظلومٌ
فزاد أمورُ البرايا تبارا

وكم بالتخاريف شطت عقولٌ
قد اشتهرتْ – بالجنون - اشتهارا

وكم نسج الغِش ثوبَ جبانٌ
قد اغترّ بالسفسطات اغترارا

وكم طمسَ الحقَ غِرٌ غشومٌ
تغنى برد الدفاع استتارا

ولم يظفروا بالذي أمّلوهُ
لأن المهيمن يحمي الخِيارا

ويَهزمُ أهلَ الأباطيل ، قطعاً
ويَرزقُ أهلَ الضلال الخسارا

وآياتُ ربي بذا شاهداتٌ
ليعتبر العالمون اعتبارا

ولن يُعجز اللهَ كيدُ البرايا
وكيدُ اليهود وكيدُ النصارى

وهارونُ مما افترَوْهُ برئٌ
وإن لنا بالرشيد الفخارا

تنقصَه البُلهُ أهلُ المخازي
فكلٌ أعدّ المُدى والشِفارا

ليطعن – بالكيد - ليثاً هصوراً
وينفخ - في الخافقين - الأوارا

ويهتكَ عِرض الخليفة جهراً
ويُترعَ كأسَ التشفي مَرارا

ويغتالَ سُمعة عبدٍ تقي
عَياناً بياناً ، جَهاراً نهارا

وينفُثَ سُم الأفاعي انتقاماً
ويَزْوَرّ - خلف التحدي - ازوِرارا

ويجهرَ بالسوء دون احترامٍ
ويُلحقَ بالعبقري الصَغارا

وهارونُ ليس كما صوّروهُ
نديمَ الكؤوس عشيقَ العذارى

فلم يكُ قط صريعَ الغواني
ولم يهوَ عُوداً ، ولم يهو طارا

ولم يشرب الخمر ، حاشا ، وكلا
ولم يلبس الماسَ يوماً سُوارا

ولم يجعل الحُكم مُلكاً عَضوداً
ولم يهوَ عُوداً ، ولم يهو طارا

ولم يجعل العُمر كهفَ الجواري
ولم يُدمن المستنيرُ القِمارا

ولم يكُ يصبو لذل الرعايا
لينكسروا - للعتيّ - اضطرارا

ولم يكُ يهوى الغِنا والبَغايا
وما كان قط يُغني جهارا

ألا إنه عاش عبداً شكوراً
يحب الرشاد ، ويرعى الذمارا

فعاماً يحجّ لمحو الخطايا
ويعتذر الفذ عنها اعتذارا

وعاماً يجاهد في ساح حرب
وتقتحم الخيلُ فيها الخبارا

أقام الشريعة لم يألُ جهداً
وصحّحَ – للمؤمنين - المسارا

وكان يرقّ إذا مسّ وعظاً
وبعدُ تفيضُ الدموعُ بحارا

وكان يُقرّب منه اليتامى
ويَحزن إما رآهم حيارى

وكان يُجيرُ الذي ضاق ذرعاً
وأمّل - عند الرشيد - الجوارا

وكان يُجلّ التقاة النشامى
ويختارُ أهلَ الرشاد اختيارا

وكان يُعِز الذي حاز علماً
وبين البرايا يراه منارا

فرفقاً بهارونَ يا من أثرتم
عليه - بغير الدليل - الغبارا

أراكم أسأتم ، لذا فارحمونا
من الترّهّات تذرّ العَوارا

© 2024 - موقع الشعر