نعمتِ التربية! (أم المهندس والطبيب) - أحمد علي سليمان

نُبلُ أصل يُزاحمُ الجوزاءَ
واعتزازٌ يَستأصلُ الخُيلاءَ

وافتخارٌ بعزةٍ لا تُبارَى
وعلوٌّ يستأهلُ الإطراء

واحتفاءٌ - بالخير - يُترعُ قلباً
وسُموٌ يَهوى الثنا والسناء

هل رأينا شهامة مثلَ هذي؟
إن نَقُلْ: (إي) لعُدّ هذا افتراء

هل سمعنا بمثل هذا احتراماً
فاق - في القدر - المنتهى والعلاء؟

هل علمنا نجابة مثل هذي؟
كل شهم يوقر النجباء

لم يقلْ: (لا) إني طبيبٌ ضليعٌ
لي سُمُوٌ يستوعبُ الشرفاء

لي مكانٌ في عِلية القوم سام
واحتفاءٌ يستهجنُ الحُقراء

ليَ قدري ، يا أمُ فلتعذريني
والدنوَ كم يلفظ الكرماء

والتدني - بين الخلائق - عارٌ
يمحقُ السعدَ والصفا والهناء

كيف أرضى بالذل يُودي بعزي
ثم أحيا أداهنُ الفضلاء؟

وأداري كل الأطباء أني
قد أتيت السوآى أو الفحشاء

أتوارى من كل صاحب قدْر
وأجاري - بين الورى - السُّفهاء

لم يُصرّحْ: يا أم خلي سبيلي
إن قلبي ملّ الأسى والشقاء

فدعيني أحيا سعيداً رضِياً
وارحميني ، أنا مللتُ البلاء

كم شقيتُ في العيش دون اختيار
واستسغتُ الآلامَ والبأساء

كيف أحيا في محنةٍ ما تبقى
من سِنيّ عمر تولى هباء؟

عِشتُ يا أمي في ابتلاءٍ وضنكٍ
وألِفتُ التضييقَ والضراء

عشتُ دهراً أغضّ ذلاً جبيني
وأواري مَرثيتي الكأداء

كم كواني احتقارُ أهلي وصحبي
عندما كالوا السوآى والاستهزاء

كم أزادوني سُبة واحتقاراً
فأهاجوا - في خاطري - الشحناء

لم يقلْ: لا ، يا أم رفقاً بحالي
لكِ إني أزجي الغِنى والرخاء

قد كُفِينا بفضل رب كريم
فلماذا تهْوينَ هذا العناء؟

لم يقلْ: لا ، يا أم عيبٌ علينا
بل أطاع – إي - طاعةً عمياء

مستكيناً لمَا ارتأته عجوزٌ
إنه خيرٌ مَكسباً وعَزاء

بائعُ الفجل في المساء طبيبٌ
في المَشافي يُعالجُ الأدواء

نِعمتِ الأخلاقُ الكريمة هذي
ونعِمّا أمٌ تحبُ الإباء

ليت شعري تأيمتْ رغم حُسن
وأراها لم تعدم الأكفاء

ثم عاشت لشبلها في اجتهادٍ
ثم كان الشبلُ التقيّ العزاء

© 2024 - موقع الشعر