لَعَلَّ لَيالي الرَبوَتَينِ تَعودُ - صفي الدين الحلي

لَعَلَّ لَيالي الرَبوَتَينِ تَعودُ
فَتُشرِقَ مِن بَعدِ الأُفولِ سُعودُ

وَيُخصِبَ رَبعُ الأُنسِ مِن بَعدِ مَحلِهِ
وَيورِقَ مِن دَوحِ التَواصُلِ عودُ

سَقى حَلَباً صَوبُ العِهادِ وَإِن وَهَت
مَواثِقُ مِن سُكّانِها وَعُهودُ

وَحَيّا عَلى أَعلى العَقيقَةِ مَنزِلاً
عُيونُ ظِباءٍ لِلأُسودِ تَصيدُ

إِذا ما اِنتَضَت فيهِ اللِحاظُ سُيوفَها
فَإِنَّ قُلوبَ العاشِقينَ غُمودُ

رَدَدنا بِهِ بيضَ الصِفاحِ كَليلَةً
فَصالَت عَلينا أَعيُنٌ وَقُدودُ

فَلِلَّهِ عَيشٌ بِالحَبيبِ قَضَيتُهُ
فُوَيقَ قُوَيقٍ وَالزَمانُ حَميدُ

بِظَبيٍ مِنَ الأَتراكِ في رَوضِ خَدِّهِ
غَديرُ مِياهِ الحُسنِ فيهِ رَكودُ

تَمَلَّكتُهُ رِقّاً فَكانَ لِحُسنِهِ
هُوَ المالِكُ المَولى وَنَحنُ عَبيدُ

فَكَنتُ اِبنَ هَمّامٍ وَقَد ظَفِرَت يَدي
بِهِ وَدِمَشقٌ في القِياسِ زَبيدُ

إِلى أَن قَضى التَفريقُ فينا قَضاءَهُ
وَذَلِكَ ما قَد كُنتُ مِنهُ أَحيدُ

فَغَيَّبَ بَدراً يَفضَحُ البَدرَ نورُهُ
وَغُصناً يُميتُ الغُصنَ حينَ يَميدُ

وَقَد كُنتُ أَخشى فيهِ مِن كَيدِ حاسِدٍ
وَلَم أَدرِ أَنَّ الدَهرَ فيهِ حَسودُ

فَيا مَن يَراهُ القَلبُ وَهوَ مُحَجَّبٌ
وَتوجِدُهُ الأَفكارُ وَهوَ فَقيدُ

إِذا كُنتَ عَن عَيني بَعيداً فَكُلُّ ما
أُسَرُّ بِهِ إِلّا الحِمامَ بَعيدُ

وَما نابَ عَنكَ الغَيرُ عِندي وَقَلَّما
يَنوبُ عَنِ الماءِ القَراحِ صَعيدُ

إِذا كُنتُ في أَهلي وَرَهطي وَلَم تَكُن
لَدَيَّ فَإِنّي بَينَهُم لَوَحيدُ

وَإِن كُنتَ في قَفرِ الفَلاةِ مُقَرَّباً
إِلَيَّ فَعَيشي في الفَلاةِ رَغيدُ

وَلَو كُنتَ تُشرى بِالنَفيسِ بِذَلتُهُ
وَلَو أَنَّ حَبّاتِ القُلوبِ نُقودُ

وَلَكِنَّ مَن أَودى هَواكَ بِلُبِّهِ
مُريدٌ لِما أَصبَحتُ مِنكَ أُريدُ

جَلَوتَ لَهُ وَجهاً وَقَدّاً مُرَنَّحاً
وَفَرعاً وَفَرقاً وافِرٌ وَمَديدُ

فَشاهَدَ بَدراً فَوقَ غُصنٍ يُظِلُّهُ
دُجىً لاحَ فيهِ لِلصَباحِ عَمودُ

أَقولُ وَقَد حَقَّ الفِراقُ وَأَحدَقَت
مِنَ التُركِ حَولي عِدَّةٌ وَعَديدُ

وَقَد حَجَبَ الظَبيَ الرَقيبُ وَأَقبَلَت
تُمانِعُني دونَ الكِناسِ أُسودُ

وَتَنظُرُني شَزراً مِنَ السُمرِ وَالظُبى
نَواظِرُ إِلّا أَنَّهُنَّ حَديدُ

لَكَ اللَهُ مِن جانٍ عَلَيَّ بِرُغمِهِ
وَمُتَّهَمٍ بِالَغَدرِ وَهوَ وَدودُ

وَمَن باتَ مَغصوباً عَلى تَركِ صُحبَتي
بِنَزعِ مُريدِ الإِنسِ وَهُوَ مَريدُ

مُعَطَّلَةٌ بَينَ السَلُوِّ لِفَقدِهِ
وَقَصرُ غَرامي في هَواهُ مَشيدُ

وَلَم يَبقَ إِلّا حَسرَةٌ وَتَذَكُّرٌ
وَطَيفٌ يُرى في مَضجِعي فَيَرودُ

جَزى اللَهُ عَنّي الطَيفَ خَيراً فَإِنَّهُ
يُعيدُ لِيَ اللَذّاتِ حينَ يَعودُ

سَرى مِن أَعالي الشامِ يَقصِدُ مِثلَهُ
وَنَحنُ بِأَعلى مارِدَينَ هُجودُ

فَقَضَّيتُ عَيشاً لَو قَضَيناهُ يَقظَةً
لَقامَت عَلينا لِلإِلَهِ حُدودُ

وَبَرقٍ حَكى ثَغرَ الحَبيبِ اِبتِسامُهُ
تَأَلَّقَ وَهناً وَالرِفاقُ رُقودُ

يُعَلِّمُ عينَيَّ البُكا وَهُوَ الفُها
وَإِن كانَ دَمعي ما عَليهِ مَزيدُ

كَما عَلِّمَت صَوبَ الحَيا وَهوَ عالِمٌ
يَدُ الصالِحِ السُلطانِ كَيفَ يَجودُ

مَليكٌ إِذا رامَ الفَخارَ سَمَت بِهِ
إِلى الفَخرِ آباءٌ لَهُ وَجُدودُ

إِذا جادَ فَالبيدُ السَباسُبُ أَبحُرٌ
وَإِن صالَ فَالشُمُّ الشَواهِقُ بيدُ

سَماحٌ لَهُ تَحتَ الطِباقِ تَحَذَّرٌ
وَعَزمٌ لَهُ فَوقَ الشِدادِ صُعودُ

لَياليهِ بيضٌ عِندَ بَذلِ هِباتِهِ
وَأَيّامُهُ عِندَ الوَقائِعِ سودُ

يُرَنِّحُهُ سَمعُ المَديحِ تَكَرُّماً
وَإِنَّ لَبيداً عِندَهُ لَبَليدُ

وَقَفتُ وَأَهلُ العَصرِ تَنشُرُ فَضلَهُ
وَيَسأَلُني عَن مَجَدِه فَأُعيدُ

فَقالوا لَهُ حُكمٌ فَقُلتُ وَحِكمَةٌ
فَقالوا لَهُ جَدٌّ فَقُلتُ وُجودُ

فَقالوا لَهُ قَدرٌ فَقُلتُ وَقُدرَةٌ
فَقالوا لَهُ عَزمٌ فَقُلتُ شَديدُ

فَقالوا لَهُ عَفوٌ فَقُلتُ وَعِفَّةٌ
فَقالوا لَهُ رَأيٌ فَقُلتُ سَديدُ

فَقالوا لَهُ أَهلٌ فَقُلتُ أَهِلَّةٌ
فَقالوا لَهُ بَيتٌ فَقلُتُ قَصيدُ

مِنَ القَومِ في مَتنِ الجِيادِ وِلادُهُم
كَأَنَّ مُتونَ الصافِناتِ مُهودُ

غُيوثٌ لَهُم يَومَ الجِيادِ مِنَ الظُبى
بُروقٌ وَمِن وَطءِ الجِهادِ رُعودُ

أَيا مَلِكاً لَو يَستَطيعُ سَمِيَّهُ
تَحَمُّلَهُ ما خالَفَتهُ ثَمودُ

دُعيتَ لِمُلكٍ لا يَؤودُكَ حِفظُهُ
وَإِن كانَ ثِقلاً لِلجِبالِ يَؤودُ

فَقَوَّمتَ زَيغَ الحَقِّ وَهوَ مُمَنَّعٌ
وَقُمتَ بِعِبءِ المُلكِ وَهُوَ شَديدُ

وَسَهَّدتَ في رَعي العِبادِ نَواظِراً
بِها الناسُ في ظِلِّ الأَمانِ رُقودُ

وَأَحيَيتَ أَثارَ الشَهيدِ بِنائِلٍ
مَعَ الناسِ مِنهُ سائِقٌ وَشَهيدُ

فَيا لَكَ سَيفاً في يَدَي آلِ أُرتُقٍ
يُدافِعُ عَن أَحسابِهِم وَيَذودُ

وَيا حامِلَ الأَثقالِ وَهيَ شَدائِدٌ
وَيا مُتلِفَ الأَموالِ وَهِيَ جُنودُ

لَكَ اللَهُ قَد جُزتَ الكَواكِبَ صاعِداً
إِلى الغايَةِ القُصوى فَأَينَ تُريدُ

يُهَنّيكَ بِالعيدِ السَعيدِ مَعاشِرٌ
وَلي كُلَّ يَومٍ مِن هَنائِكَ عيدُ

وَلَو أَنَّ عيدَ النَحرِ نَحرٌ مُجَسَّمٌ
غَدا فيكَ مَدحي وَهوَ فيهِ عُقودُ

وَلَولا هَواكُم ما سَرَت لِيَ مَدحَةٌ
وَلا شاعَ لي بَينَ الأَنامِ قَصيدُ

وَلَمّا جَلَوتُ المَدحَ وَاِرتَحتُ لِلنَدى
وَرُحنا وَكُلٌّ في الطِلابِ مُجيدُ

قَصَدنا المَعاني وَالمَعالي فَلَم أَزَل
أُجيدُ بِأَشعاري وَأَنتَ تَجودُ

يَقولونَ لي قَد قَلَّ نَهضُكَ لِلسُرى
وَما عَلِموا أَنَّ النَوالَ قُيودُ

فَقُلتُ مَلَلتُ السَيرَ مُذ ظَفِرَت يَدي
بِأَضعافِ ما أَختارُهُ وَأُريدُ

لَدى مَلِكٍ كَالرَمحِ أَمّا سِنانُهُ
فَماضٍ وَأَمّا ظِلُّهُ فَمَديدُ

تَنَبَّهَ لي وَالعِزُّ عَنِّيَ راقِدٌ
وَقامَ بِنَصري وَالأَنامُ قُعودُ

فَيا قِبلَةَ الجودِ الَّتي لِبَني الرَجا
رُكوعٌ إِلى أَركانِها وَسُجودُ

لِيَهنِكَ مُلكٌ لا يَزالُ مُخَيِّماً
لَدَيكَ وَذِكرٌ في الأَنامِ شَريدُ

لَئِن بِتَّ مَحسودَ الخِصالِ فَلا أَذىً
كَذا مَن غَدا في الناسِ وَهُوَ فَريدُ

إِذا عَمَّ نورُ البَدرِ في أُفقِ سَعدِهِ
فَما ضَرَّهُ أَنَّ السَماكَ حَسودُ

© 2024 - موقع الشعر