مأتم صاحبة العصمة - أحمد علي سليمان

بَكَاهَا في الدجى قلمي الكظِيمُ
ودمعُ مِدادِه أسِفٌ سقِيمُ

وصوتُ نحيبِه في القلب يكوي
تُعَاقِرُه المَفاوزُ والسُّموم

وبَوْحُ نشيجِه يَنْعِي رؤاهُ
يقول: كفاكَ ، أنا بكَ عَليم

تجلَّدْ للحياة وغاصبيها
لَزِيمَ الحزن ، إلى مَتَى لَزِيم؟

ألستَ براحمٍ ذُلَّ اعتصامي
عن الزلات هذي يا رحيم؟

ألستَ تجود بالصبر احتساباً
عليَّ ، وأنتَ يا قلمي كريم؟

ألا هذي الكسيرةُ في بلاءٍ
يُحطَّمُها مع الريحِ الهَزِيم

وتقمعُها الحوادثُ في صِباها
ويدفعُها لمأتمها الغريم

وتكويها الخُطوبُ على حَياها
ويُزكِي نارَها الوغدُ اللئيم

وتسحقُ عِرضَها الأحداث فَرياً
وما يَجِري لها صدقاً عظيم

أقَضَّ الغَمُّ مَضجعَها مليّاً
وبعد الغم عمّتْها الغُموم

وأبدلها الأسى مجنوزَ حال
مُسَجَّىً في مرارته مُلِيم

وكم هَتَكَ الظلومُ ضحىً ضياها
ومَرتعُ ظلمه حقا ًوَخِيم

وكان يُريدُها أمًّاً ولوداً
ولكن تلك يا أعمى عَقِيم

فحَوِّلَ فرْحَها غماً وهماً
سَوادٌ بعضُه الليلُ البَهِيم

حياةٌ في حضيض العيش طالت
وتعييرُ البليد لها رَزِيم

وفوق إبائها يلهو ويغفو
وفي عَبَراتِها الغِرُّ يُقِيم

غليظُ الطبع ممقوتٌ كريهٌ
(عُتُلّ بعد ذلك زَنِيمُ)

له شُبَهٌ يُرفرف في دجاها
ضلالُ قريحةٍ فظٌّ قَدِيم

وغايَةُ عيشِه بطنٌ وفَرجٌ
وكم فتَّتْ حُشاشَتَهُ التُّخُوم

وكم يغشى المَحارم والدنايا
ومِن أفعاله شاب الفطيم

تراهُ يدّعي الأخلاق سَمتاً
وطبعُ الإفترا طبعٌ أثيم

وكم حارتْ علومُ النفس فيهِ
وعن تحليله عجز الحكيم

وكم ركبَ الحرامَ بكل وعي
وباع ضميره ذاك العديم

له رَشْفُ المُدام شفاءُ قلب
ويحمل كأس خمرته النَّديم

وقد سَهُلَ الحرامُ عليه حتى
رآه الحِلَّ ، ما عاد يَحُوم

وغِيدُ الأرض في الدار غُثاءٌ
يَمينَ الله قد هان الحَرِيم

أَأَيْسَرُ مِنْ زواج المرء عِشْقٌ؟
لداعرةٍ لها الخمرُ تَزُوم؟

وتُدْخِلُها لبيتكَ مُستحلاً
لها عطرُ سَرى منه شَمِيم

ويطرحُ رِمشَها المأفونَ أرضاً
وقد كثُرتْ بعزمتِه الكُلُوم

ويُغلِقُ بابه دون حياءٍ
على العِصيان ، هل هذا يَدُوم؟

ويَحسَبُ أنه بَلَغ الثُّريا
وقد جاءتْ تُحييه النُّجوم

وتمنحه الكواكبُ مِن ضياها
وقد أغراه مرآه الوَسِيم

وتُوصِلُه الشموسُ إلى مَداها
ويَبعَثُ أنسَهُ الضوء الرخيم

وتهديه النخيل حَلا جَناها
وطلعُ النخل مَحبورٌ هَضِيم

ويجمع بين مطعوم لبطنٍ
وداعرةٍ لها حِضنٌ رؤوم

وجاءتْ زوجه ، ولها انفعالٌ
وفي يدها رماحٌ وسُهوم

فقال: صديقة ، والعشقُ عاتٍ
وكم عانت لمَرآهُ الجُسُوم

مللنا الحِلّ حتى صار ناراً
فألفينا الحَرامَ له نَسِيم

فقالت: سوف أخْبِر أخويّا
وأكشفُ ما سترتَ أيا غَشوم

نصيبي هكذا ، وكفى جدالٌ
قليلٌ في الرجال المُستقيم

فقالَ: إذا فعلتِ فلا اعتبار
لأني الآن شيطانٌ رًجِيم

ولستُ أخاف ممن قد براني
فكيف أخاف قوماً أن يَلُوموا؟

تعالى الله ، يا زيرَ الخطايا
وعند الله للعاصي جَحِيم

سيَشويك الحَميمُ ، ولا مَفازٌ
أليسَ يَروعُك اليومَ الحَمِيم؟

فشَرّدَها الكفورٌ ، ولم يَصٌنْها
وقد غشّت بصيرَتهُ الغُيوم

فللمعشوقةِ الحسناء بَيتّ
وتُحرَمُ بَيتها مَن تستقيم

تَموتٌ اليوم بين الخلق غيظاً
وتقتٌلها الوقائعُ والهمُوٌم

وتخنُقها الدموعُ ، وليس تبكي
كأن محاجرَ العينِ صَرِيم

وتعصِمُ نفسها عن كل عيب
وخاطرُها مِنَ الذكرى كَلِيم

تعرقلِها نوايا مَن يواسي
وناظرُها لِما يَجرى مَضِيم

ولو كانت على قُبح ، عَذَرَنا
ولكنْ بعْلها هو الدميم

عزائي فيكِ صاحبةَ المَعَالي
بأنّ اللهَ رحمنٌ رحيم

سيرحمك المليكُ ، فلا تبالي
ولا تبكي لِما فَعَلَ الغَشِيم

له ربّ يٌعاقبه قديرٌ
وإنْ أملى ، فذا ربٌ حليم

فإن أخذَ الظلومَ ، فلا خَلاصٌ
فأخذ العَدلِ جبارٌ أليم

© 2024 - موقع الشعر