حيّاكِ الله يا صاحبة القرآن! (عصماء) - أحمد علي سليمان

إيهِ يا من غدوتِ فينا منارا
بات يهدي قوماً غفاة حَيارى

يجتليهم من كل كيدٍ وجَور
ويُفيق المُسْتكبرين السُكارى

يبذر النورَ المستبين وحيداً
في قطيع عنه الضياءُ توارى

يزرع الخير – في الأنام - احتساباً
وعطاه – في الناس – ليس يُبارى

صامدٌ في البأساء ما قال: أفِ
وسْط قوم – في المُوبقات - أسارى

صابرٌ في الضراء ، بل ويُضحّي
وينادي – في العالمين - جهارا

يرقبُ الفجر ، ثم يسعى حثيثاً
وعلى خديه الدموعُ بحارا

يغسل التقوى باليقين فيحيا
هادئ النفس ، وعزهُ لا يُجارى

يحمل القنديلَ المشعّ ضياءً
وكفى بالبذل الكريم افتخارا

إنه القرآن الكريم يُحَلِي
همة أمستْ للتقاة منارا

غادة تمشي بيننا تتهادى
قمرٌ بالأنوار زانَ الديارا

فلها من نور اليقين سراجٌ
يجتبي مِن صِدق الولاء شعارا

أنتِ شمسٌ في الكون تنضح عطراً
وعلى أهل السوء تقذف نارا

قدوة في الكون الرحيب تسامتْ
وشذاها أمسى يفوحُ وقارا

أسلمتْ لله القدير ، ويكفي
أن فوق الرأس المُطيع خِمارا

سترتْ وجهاً والكُفوفَ احتساباً
ثم أدنى الجلبابِ شدتْ إصارا

ثم سارت – في الناس – مثل ملاكٍ
ما عليها من بصمةٍ للنصارى

صوتها همسٌ ، لا يجاوز سَمعاً
إذ تعاني – من العُلو - جؤارا

وكلام (العصماء) بعضُ حروفٍ
فلقد أمستْ كثرة القول عارا

وطعامُ الزهراء بعض فتاتٍ
إنها اختارتْ ما تودّ اختيارا

وشرابُ الشماء جرعة ماء
فتحاكي بالشرب هذا الصغارا

وسخاءُ الشهباء ليس يُحاكى
إنها طابت مَنبتاً وجوارا

ليس تعطي إلا بكل ارتياح
مثل غيثٍ عمّ الورى مدرارا

ضحْكها في سِرّها دون جهر
إذ تحاكي – في ضحْكها - الأبرارا

تلك حازتْ من كل خير مَداهُ
وأقامتْ – من حولها - الأسوارا

حار فيها الصَبُ العشيق طويلاً
وجنودُ الشيطان جاؤوا جُمارى

حاولوا ، واللهُ القديرُ بصيرٌ
وتحدّوْا ربّ الورى القهارا

أجمعوا الكيدَ – دون خوفٍ - ورامُوا
حظ نفس تستهدف الدينارا

شيّدوا المكر والخديعة سَداً
وأقاموا – خلف الدهاء - جدارا

وأرادوا خوض الغِمار عُتاة
ثم حاكوا الأهوال والأخطارا

واستعانوا بكل صِل رجيم
فإذا بالتنور ضجّ وفارا

واستعاروا التقوى رداءً ندياً
وأقاموها جُنة وسِتارا

وأتوْا صفاً ليس يعرفُ رباً
وأرادوا أن يغلبوا الجبارا

اخسأوا يا أقزامُ ، أنتم سرابٌ
رب فاقصمْ مستكبراً ديّارا

وأرحْنا من كل فظٍ غليظٍ
ميّتِ القلب يعبدُ الدولارا

ربّ أبطلْ سِحراً توحّد صفاً
رب واهزمْ جيش العِدا الجرارا

لا تدعْهم يُؤذون قوماً كِراماً
وأذلّ الضُلاّل والأشرارا

عربدوا في الأرض الفسيحة دهراً
وأزاغوا الألباب والأبصارا

ألفوا الأوراد المُضلة ردحاً
واستشاروا الرهبان والأحبارا

واستباحوا فعل الحرام طويلاً
ثم صاروا – في بيعِه - تُجّارا

وغدا سِحرُ المجرمين سبيلاً
للتحدي ، يُؤرّق الأحرارا

أزعجوهم بالسحر ليلاً نهاراً
واستغلوا السكران والخمّارا

وأبَوْا دين الله شرعاً وهدياً
وغدا أستاذاً لهم جيفارا

كم تحدّوْا (عصماءَ) وفق هواهم
وأصروا على الأذى إصرارا

حاولوا تضييق الخِناق عليها
ما استطاعوا – في حربها - المِشوارا

وأتوْا صوبَ البنت مثل الضواري
إذ تناجي الغِزلانَ والأجفارا

أشهروا السحرَ المستبينَ ، وكادوا
والفتاة تستغفر استغفارا

تجعلُ الذكر العذب زاداً وذخراً
وبهذا تُضاعفُ الأذخارا

ذِكرُها ربَ الناس سيفُ تحدٍ
ولهذا تستثمر الأسحارا

ولديها القراءُ شرقاً وغرباً
وتراهم – في كربها - سُمّارا

يقرأون الذكرَ الحكيمَ احتساباً
كل صوتٍ كم يحتوي أسرارا

ثم تتلو من الحديث ، وتشدو
بحُداءٍ يستنوق الأشعارا

غادة بالإيمان تصرعُ سحراً
ثم تزْجي - بعد الصراع - انتصارا

غيرُها بالسحر الرهيب تحدّى
غادة الحق ، واعتلى الإعصارا

شن حرباً – على التقيّة – شعوا
وانزوى حتى يستجيشَ الأوارا

وإذا الحقُ يطرحُ السحر أرضاً
ثم يُلقي - من فوقه - الأحجارا

يَرجُم الشرَ ، لا يخاف المنايا
والشرورُ قد ولتِ الأدبارا

أمَة في طهر الحنيفة عاشت
كم أعارتْ - لغيرها – الأزهارا

إنها بالوحي المنير تسامتْ
وبه كانت تحرقُ الزنارا

لم تكن ترضى بالفساد حياة
لم تجاملْ أو تصحب التيارا

شمختْ بالحق المبين ، فعفتْ
ولذا فالشيطانُ – في الكيد - حارا

وأدارتْ للقوم ظهراً ، وجدّتْ
واستقرتْ – في عيشها - استقرارا

لم تلوثْ عينَيْ ربيبةِ شرع
لم تدنس مَن تتبع الآثارا

بالأغاني – كلا – ولا بالغواني
لم تطاوعْ وَسواسَها الأمارا

لم توسّخْ عِرضاً بفن المطايا
مَن جلبن – إلى الديار - البوارا

فاجراتٌ يبعن ديناً بدنيا
مطرباتٌ أفسدننا والدارا

بل رأت في الممثلاتِ خزايا
قد سحقن الزوجاتِ ، بل والعذارى

لم تكن تهفو للفنون ، فعزتْ
إن - في هذي الموبقات - الخسارا

قاتل الله المستعانُ فريقاً
يجعل الفن سُؤدداً وفخارا

ليس يهوى الأفلامَ غيرُ رقيع
وأراها عُهراً يَشيعُ وعارا

وأرى الفنانين أعهر قوم
وأراهم – في دارنا - الأعيارا

وأرى الفنانات بعض حظايا
وأراهن العِير والأبقارا

تعستْ أرواحٌ بهن تغنتْ
جعلتْ من أهل الهوى تذكارا

أيها الأقوامُ استفيقوا ، كفاكم
ليلكم أمسى لا يُطيق النهارا

لكنِ النورُ سوف يمحو سَواداً
كم طمستم – من دونه – الإسفارا

واسألوا التاريخ الذي لا يُداجي
واستجيبوا ، واستبحثوا الأخبارا

سُنة الله لا تجامل قوماً
فاقرأوها ، تقلب الأعصارا

أمهلَ الرحمنُ الرحيمُ قطيعاً
شارداً عن نهج الهُدى كَفارا

وغداً تأتي سُنة الله حتماً
ونرى مِن تدميره أطوارا

وقضاءُ الجبار ليس يُحابي
وأراه يستعجل الأقدارا

فتقول الأقدارُ: عفواً ، قضائي
علّ قوماً يستعبرون انكسارا

إيهِ يا نبراسَ البنات عِظينا
واغمُرينا تحية وفخارا

نحن ، ما نحن دون هدي وتقوى؟
علمينا ، وعطريه حوارا

بصّرينا بالروح كيف يُضحّى
واملئي ألبابنا إيثارا

واصدعي بالحق المضمّخ عِطراً
أخرسي يا أنشودتي الثرثارا

واقمعي - بالآيات - قوماً تمادَوْا
في الدياجي ، ثم ارجمي الصرصارا

فيكِ إني أحببتُ كل تحدٍ
صادق العزم ، لم يكن مُستعارا

لكِ حبي يطفو عليه إخائي
وإذا قصّرتُ اقبليه اعتذارا

ذاك حبٌ في الله يملأ قلبي
وإخاءٌ أضحى سَنا مِعطارا

وقصيدي أهديه أخت اعتقادٍ
بات نجماً في جيلنا سَيّارا

فاقبليها قصيدة من ضمير
لبس الحبَ – في المليك - إزارا

وله من حب التقاة سِراجٌ
يُترعُ الدربَ – حولنا - أنوارا

كم كتبتُ الأشعارَ أنشد أجراً
وسطرتُ الأشواقَ والأفكارا

كم سلكتُ للشعر أرضاً ودرباً
وقطعتُ الآمادَ والأسفارا

والتمستُ الأستاذ في كل وادٍ
وحملتُ الأقلام والأسفارا

وسبرتُ أغوار شعريَ وحدي
وزرعتُ – في ساحه - الأشجارا

ورشفتُ – من نبعه العذب - كأساً
وفجَرتُ – في أرضه - الآبارا

ثم أهديتُ الشعر صحبي ، فضنوا
واستخفوا واستهتروا استهتارا

غيرَ خِليْن استعطرا بحُدائي
قدّما النصحَ يحملُ الأثمارا

ف (لعدنانٍ) من فؤاديَ شكرٌ
فلقد أزجى نصحه مدرارا

ثم ل (لنوبيّ) الأديب التحايا
حيث وفى بالوعد لمّا أشارا

نصحاني بكل صدق ولطفٍ
فأجادا واستظهرا استظهارا

فجزا المولى مخلصَ الصحب خيراً
مَن هداني ، ومَن أقال العَثارا

وجزا خيراً من تحدّتْ عِداها
في ثباتٍ ، هاتيك تاجُ العذارى

ضربتْ في الصدق الجميل مثالاً
ثم زادتْ عند اللقاء اصطبارا

غلبتْ بالطاعات من حاربوها
وهمُ جَرّوا الذل والأوزارا

لم تكن تنوي الحربَ ، هذي ملاكٌ
لكنِ اضطرتْ للتحدي اضطرارا

فاستعانتْ بالله لمّا أتوْها
فاستحالوا – عند اللقا - أثوارا

كيف يؤذي وليّة الله عبدٌ
في التغابي والجهل فاق الحِمارا؟

من تقوّتْ بالله كيف تعادَى؟
كيف يُرمى – فوق المَلاك – الحِصارا؟

إن ربي نصيرُ كل منيب
مَن به إثر العاديات استجارا

© 2024 - موقع الشعر