ما نقص مالٌ من صدقة - أحمد علي سليمان

عجبتُ مِن قِسمة المُهيمن الحكم
ومِن تصاريف باري الخلق من عدم

سبحانه قدّر الأقدارَ أجمعَها
تلك التي حيّرتْ جداً ذوي الفهُم

هذا التقي اشتهى للعيد أضحية
كما يضحّي تقاة الناس بالغنم

فيمّمَ القصد نحو السوق في عجّل
بهمّة سبقتْ قطعاً ذوي الهمم

واختار كبشاً يسر العينَ منظره
وفيه شرط النبي المصطفي الهشم

ثم اشتراه ، ولم يسْتغْل مِن ثمن
لأنه في رضا المهيمن الحكم

وجرّه بتروٍّ نحو مَركبةٍ
بكفه بعد حَلّ الحبل والشُكُم

فراغ منه ، ولم يقبلْ بصحبته
عن القطيع بديلاً لاعجَ الوصم

ولم يعقب ، ولم يلمّحْ بعودته
حُق الفرارُ من البلاء والنقم

ويلجأ الهاربُ الموتورُ في شغفٍ
إلى بُييتٍ مِن الجريد والأكَم

يرجو النجاة مِن الحِمام يطلبُهُ
والكل مِن حوله يأوي لسفح دم

وحُرمة البيت لم يرعي شرافتها
فهل تراه تبدّى غير محترم؟

أم أن تلك له ضرورة وجبتْ؟
وفي الضرورات لا ترعى صُوى الحُرُم

أم أنه الضيفُ فالإكرامُ حُق له؟
وكل فردٍ له يَجدُّ في الخِدَم

أم أنه فرّ من شجوى لقاصمةٍ؟
وكم غبي يني مِن وطأة القصُم

واستُقبلَ الضيفُ بالترحيب يسبقه
توقٌ إلى الذبح في شوق وفي نهم

قالوا لراعيه: مَقبولٌ تفضلكم
هذا جميلٌ لدينا بالغ العِظم

تقبل الله منكم كل مَكرُمةٍ
كنت السخيّ ، وربي واسعُ الكرم

وجاءتِ الأم تحدوها سعادتها
تقول: شكراً ، بلفظٍ جدّ محترم

تقول: بيتٌ لأيتام بُليتُ بهم
والفقرُ يَدمغهم بالقهر والألم

وجودُك اليوم يُشجيهم ويُفرحُهم
ما من قريب لهم ، كلا ، ولا رحِم

فأحرجَ الشهمُ إذ ماذا يقول لها
من واضح القول أو من صادق الكلم؟

فقال: هيا اقبلوا مني ضحيّتكم
طابت بها النفسُ عن حب وعن عشم

وإن قصدتم لها القصاب يذبحُها
ذبحتها عن رضاً ، أو كان عن رغم

قالت: حنانيك عندي من سيذبحُه
ومَن يُقسّمه في أعدل القِسَم

تقبّل الله منك البذل يا رجُلاً
ولا ابتليت بشرٍّ في الدنا وخِم

وكان سعيك مَشكوراً ومُبتشراً
وأكرمَ الله مَن تعولُ مِن حشم

فقال: آمين ، والسرورُ يغمرُه
رجاء غفران ما أتاه من لمم

وعاد للسوق يرجو خير أضحيةٍ
فلا هزالَ ولا شيئاً من السقم

وقال: كيف وطرْقُ السوق مُوصدة
بالضأن والمَعز والبعران والنسَم؟

فما دخولي لسوق سوف تخنقني
وليس ترحم من كهل ومحتلم

كفانيَ الباعة الصافين خارجها
إني أخافُ من المَلال والسأم

وقال للباعة: اختاروا لصاحبكم
أحلى الأضاحي التي عزتْ فليس سمي

قالوا: نراك نبيهاً كله نظرٌ
فاختر لنفسك ، لا تنقدْ ولا تلم

فأفحموني بقول لا جواب له
وقبله لم أكن يوماً بمنفحِم

فاخترتُ وفق شروطٍ عز شارعُها
جَلتْ عن الوصف والتمثيل والسيَم

فقلت: كم تطلبون الآن من ثمن؟
ولستُ في سِعرها حاشا بمختصم

قالوا: بلا ثمن هذي لراغِبها
وليس إن ساقها جهراً بمحترم

راعي الحلال قضى ، وذي بضاعته
مهما الجدال طغى ، أو النقاش حمي

فقلتُ: سبحان ربي ردّ أضحيتي
كيلا يُبارزني الشيطانُ بالغمم

أيقنتُ أنك يا مولاي ذو منن
فاضت علينا ، وذو فضل وذو حِكم

© 2024 - موقع الشعر