صدقة هذه أم فضيحة؟ (يصورون الفقير) - أحمد علي سليمان

الفقرُ أهونُ من أذىً لا يرحمُ
فهل استجاب إلى النصيحة مَن عمُوا؟

وأراه أسترَ للذين به ابتلوا
مِن جود مَن باسم العطيّة يَنقم

وأراه أخيرَ من رياءِ مَن ابتغوا
بزكاتهم دنيا الأنام ليستموا

وأراه أجدرَ بالفقير من الغنى
إن كان يحمل أهله أن يَظلموا

وأراه أليقَ بالفقير تخوّفاً
من أن تكون له الختامَ جهنم

وأراه أحلى مِن مذلة مُنفق
شكتِ الأراملُ عُجْبَه ، واليُتّم

وأراه أجملَ من سؤال معدّدٍ
نعماً ، وتبرأ مِن عطاهُ الأنعم

وأراه أحفظ للكرامة رتبة
مِن جود مَن عن أي ستر يُحجِم

وأراه أحسنَ للنفوس يردّها
عن كل كِبْر في الخلائق يُذمم

وأراه بلسمَ من يَدِل بماله
وفق الهوى ، يُعطي المعوز ، ويَحرم

والمرءُ يسعى في الحياة مجاهداً
فتراه يَخسر تارة ، أو يَغنم

ولقد يُصيب من الثراء نصيبه
ولقد يُشاركه السؤالَ العُدم

ولقد يكون السعيُ أصدقَ قائدٍ
للفقر حتى لا يُحاز المَطعم

وتراه بعد غناه أرذلَ سائل
قد كبلته ديونه والمَغرَم

وتراه محتاجاً يتوق إلى الغنى
يحيا كما يحيا الفقير المُعدِم

والأثرياءُ اليوم أغلبهم غثا
وَهِموا ، كما وَهِم الغفاةُ الهُوم

أن المليك لحُبّهم قد خصّهم
بالمال ، والدنيا بذلك تعلم

والأمرُ ليس كما يقول مَن افترى
فهمُ الذين تخرّصوا ، وتوهّموا

فعطاءُ ربي ليس صنوَ رضائه
فلقد يجود على الألى قد أجرموا

هل كان (فرعونٌ) حبيبَ مليكنا؟
هل مثلُ (قارونٍ) يُحَب ويُكرَم؟

وهل الإله أحب (هامان) الذي
إجرامُه في الكفر شيءٌ يُعْلم؟

وإذن فرزقُ الله للعبد ابتِلا
ولقد يُمرَّغ - في النعائم - مُجرم

والفقرُ أفضلُ من غِنىً يُطغي الورا
فبه يُديمُ الذكرَ والوعظ الفم

وبه الجوارحُ تستقيمُ أمورُها
ويظلُ يلهَجُ بالدعاء المسلم

وبه النفوسُ مِن الهوى في مأمن
ويُعَزُّ دينٌ في الضمائر قيِّم

وبه تصانُ عن الضلال سرائرٌ
ما كان أقبحها إذا تتحكم

وبه تُصَدُّ مقاصدٌ عن غيّها
والغيّ وسواسٌ يحُث ويُلهِم

بالفقر يلتزم الشريعة مُخبِتٌ
وتراه يعمل بالهُدى ، ويُقَيم

وتراه أبعد ما يكون عن الزنا
وتراه بالأهواء لا يتكلم

وتراه مجتنباً لألوان الرّبا
إن الذي يُطغي المرابيَ درهم

وتراه عفاً عن مقارفة الخنا
إن الخنا دربٌ بغيضٌ مُظلم

لا يحتسي خمراً ، ولا يهوى الغِنا
ففؤادُ مَن يهوي الأغانيَ مُعتم

لا يرتضي جَوْراً ، ولا يسعى له
فالفقر - مِن جَور البرايا - يَعصم

ويحسّ بالفقراء إذ هو منهمُ
وإذا طوتهُ حاجة يتألم

وتراه من بين الورى متواضعاً
وإذا استبيحَ الحقُ فهْو الضيغم

أما الغنيُّ فلا تسل عن هزله
لمّا يفته - من الهوى - متردَّم

هو سادرٌ في غيّه بنقوده
وله - إلى بُرج الخطايا - سُلم

وله جوادٌ في الصراع ، وحَربة
والدرعُ شدّتْ في القنا ، والصمصم

هو فارسٌ يغشى الحياة مُحقِقاً
بالمال ما يصبو إليه ، ويَحلم

قد أقدرَ المالُ الغنيَّ على الزنا
وعلى الربا ، فالمال نعم المَغنم

والمال صارفُ قلبه عن توبةٍ
وترى الفؤادَ لما جرى لا يندم

ويضجّ إنْ قومٌ أتوْهُ لحاجةٍ
وتراه لا يسخو ، ولا يتبسم

حتى إذا طلبوا تغيّر لونه
وإذا به - في لحظةٍ - يتهجم

تعس الغنيّ ، ومَن سعى في دربه
إذ منعُ حق السائلين المأثم

ويشذ عما قلت بعضُ مَن اتقى
لثواب أخراهم جزيلاً قدّموا

زهِدوا ، فكان المالُ تحت نعالهم
وتعوّدوا إنْ يُسألوا أن يُكرموا

وكذاك مِن فقرائنا مَن نستحي
مِن فعلهم ، وكأنهم لم يُسلموا

هجروا كتاب الله ، واعتادوا على
فعل الدنايا ، ثم لم يستعصموا

لكنْ كلامي عن فقير بائس
مُدتْ يداه لجوقةٍ لم يرحموا

فاستوثقوا من فقره وعياله
وتثبّتوا في الأمر لم يتوهموا

حتى إذا ما كان ميعاد العطا
عمدوا إلى التصوير ، وهْو مُحرَّم

والأمرُ في شرع المليك مفصَّل
والفصلُ جاء به الكتاب المحكم

ما جاءكم هذا الرسول به خذوا
ودعُوا الذي عنهُ نهى كي تسلموا

لعن النبي من الورى مَن صوّروا
هل حُرمة التصوير أمرٌ مُبهم؟

لكنما قومٌ يُحبّون الريا
ويُخالفون الشرعَ مهما عُلموا

جعلوا من الصدقات باب تنطع
حتى يذل الحر ، وهْو مُكرّم

وإذا نصحتُ استكبروا ، وتندروا
وإذا زجرتُ توعّدوا ، وتجهموا

أفضيحة هذي تؤدب سائلاً؟
أم جودُ مَن جادوا بكفٍ يلطم؟

يا قومنا توبوا ، ولا تتعمدوا
فضح الفقير ، فإن ذاك محرم

عار عليكم ، والذي رفع السما
فتورّعوا عن مثله ، وتعلموا

والفقرُ أقربُ من شِراك نعالكم
إذ تطلبون من الأنام ، لتحْرموا

وتصورون لتفضحوا بين الوَرى
والدَوْرُ قسِّم ، والضحايا ترسَم

© 2024 - موقع الشعر