في رحمة الله يا أبويّ! - أحمد علي سليمان

خبتْ عن شهود العين ريحانتا الحبِ
وخلفتاني في لظى حسرة القلبِ

ولستُ أدري للوالد الفذ مطلقاً
شبيهاً ولو في الأهل أو أقرب الصحب

أبي (غالبَ) الأهوال في عُقر دارها
وبالأمس صدّ البأس عن خِيرة الركْب

وأمي لها من حُب مولايَ حِصّة
عسى أن تنال القرب من رحمة الرب

ألا إن جرح القلب أدمى مشاعري
إذ الشمس غابت عن عيوني بلا رْيب

وليلُ المنايا حالكاتٌ نجومُه
يمرّ شديدَ الوقع من وَطاة الكَرب

فقد زرتُ قبرَيْ والديّ مُحَطماً
أصارعُ دمعي ذاهل الروح واللب

وأيقنتُ أن الليل يُخفي شقاءه
وأدركتُ عسرَ الحال في الظرف والدرب

وقلبي لفقد الوالد الفذ لم يزل
يُرَجّعُ أطيافَ الأبوة والحُب

أبي سُؤدَدٌ سامٍ وذكرى مُعطرة
تذكّرنا بالشم من صفوة العُرْب

وصاحبُ قرآن وذِكر وتوبةٍ
وعِزة نفس في الشبيبة والشيب

وذو حكمةٍ تجتثّ كل عويصةٍ
فتطرحها بالرغم في حَمْاة الجدب

وواصلُ أرحامٍ بأية بقعةٍ
وإن لاح صدعٌ خصّه الشهمُ بالرأب

وما عاب قوماً جاهروا بنقيصةٍ
وإن قارفوا شيئاً مِن الإثم والذنب

أبي الرأسُ في أهل ودار وضَيعةٍ
بهي المُحَيّا طاهر القلب والثوب

وذمّوا الفتى دوماً يقول: أبي أبي
ففي سِلمه يُطري ، وفي الحرب

فبُعداً لهم ، إني مُباهٍ بوالدي
وحسْبُ أبي ربُ الورى عالمُ الغيب

وفي كل عِرق مِن عُروقي نجابة
أبي صبّها بالطوْع مني وبالغصب

لذا اختار أمّاً - في النساء - كريمة
مُبرّأة حقاً من النقص والعيب

تفوق نساءَ الدار في كل مِدحةٍ
ولم تنجرفْ يوماً إلى هُوّة الغب

على راحة الأطفال كم كابدتْ جَوىً
وعانت لأجل الزوج في الموقف الصعب

وقامت بحق الضيف مدفوعة الخطا
بطعمته والشرب من مَوْردٍ عذب

ولم تزجر الأبناء تشفي غليلها
ولم تعمد العصماءُ يوماً إلى الضرب

وإما استشيرتْ فالأمانة مَبدأ
وللقول تأثيرٌ بمنطقه الرطب

وإن رتلتْ آياتِ ربي وحبّرتْ
فقيثارة تستأسرُ السمعَ بالجذب

وإن بسمتْ فالشمس بالنور أشرقتْ
لتذهب ما في النفس من لاعِج الخطب

وإني لأستجدي السماحَ مِن التي
توارتْ عن الأنظار والخلق في الترب

وأرجو التماس العذر مِن حُرةٍ قضتْ
وعن كل تقصير أروغ إلى التوب

واستودعُ المولى اللذيْن تغيبا
وقلبي لكل يحنّ كما الصب

عليلٌ بأشواقي ، وأشكو تعلقي
وعِلة قلبي كم تتوقُ إلى طب

فيا ربنا ارحم مَن ثوى ، ثم من بكى
فليس كفقد الدِين والخِل والحِب

وشفع مليكَ الناس فينا محمداً
وأحسنْ خِتامي بالمَثوبة والأوب

© 2024 - موقع الشعر