ارجعي وإلا أخبرتُ أبي! (تراود ابن زوجها) - أحمد علي سليمان

دمُ الرذيلة في شريانها يجري
وفي فرائسها السعارُ يستشري

توقدتْ شهوةً عيونُ عاشقةٍ
والكيدُ يكمُنُ في المقالم السُمر

تزجي اللحاظ بعين غير طيبةٍ
حلا لها الغمز بعد اللمز والمكر

أمّا ابتسامتها ، فالنارُ قد سُعرتْ
تهدي الألي نظروا مِن لاهب الجمر

والرمشُ يَسبي النهى كيلا يُفكّر في
مصير صاحبه المُجندَل المُزري

والكحلُ في العين مثلُ النار حامية
تُكوى القلوبُ بهذا الإثمدِ المُغري

وللقوام - إذا ما ماسَ - سطوته
والمُعجبون به سِيقوا إلى الأسر

والشَعرُ كم صرعتْ صَباً جدائله
وكم غُزيّلةٍ تختال بالشعر

والوجهُ كالبدر في نور وفي ألق
يغتالُ عاشقه من حيث لا يدري

والثغرُ يزجي اللظى لمَن يكلمه
كم من قتيل ثوى من فتنة الثغر

إن الجمال غدا سَمتاً يُميزها
وليس مثلي الذي جمالها يُطري

لكنه الوصفُ حتى تدركوا مِحني
تلك التي اندلعتْ في أول العُمر

صادت فوادَ أبي جبراً بفتنتها
وكم يُصادُ فتىً بالحب ، بالجبر

ثم اشتراها أبي بالمال هينة
إذ ليس فيه الذي أمثالها يغري

إذ المشيبُ جنى فحوى شبيبته
وتلك سُنة بارينا مدى الدهر

يشيب ناسٌ ، ويُبلي الدهرُ قوّتهم
وليس يبقى مِن البأواء مِن نذر

وتلك في فورة الشباب قد رتعتْ
تدِلّ بالبصر الحديد والخصر

تدلُ بالحسن لم تذبلْ نضارته
تدِل بالوجه والقوَام والنحر

تدِل بالكلمات المُترعات هوىً
والصائداتِ قلوبَ الناس كالشِعر

تدِل بالبسمات الباعثات صدىً
من لاعج الحُب في قرارة الصدر

تدِل بالهمسة السَكرى تحبّرها
لمُغرم بدنان العِشق والخمر

تدِل بالخطرات الناشرات شذىً
من طيب الوَرد ، أو من فائح العطر

تدِل بالنظرات الجاذبات نهىً
فلا يكون به شيءٌ مِن الفِكر

جميلة ، والدي أمسى ضحيّتها
وتسقط اليوم في مستنقع الدُعر

أضحت تراودني بكل ما ملكتْ
من ساحر الحُسن أو من أحسن السحر

تحب قربي ، وتهواني ، وتأنسُ بي
وكنتُ أحسِنُ ظني بادئ الأمر

حتى رأيت دخانَ العِشق ملتهباً
وقد يكون الذي بوالدي يُزري

من زوجةٍ أصبحت لهزلها أمَة
لا تستحي أبداً من لوثة العُهر

تراودُ ابناً لها عن نفسه شغفاً
وتستبد بها نوازعُ الفُجر

ما حِيلتي في التي هاج الغرامُ بها
وفي خواطرها نارُ الهوى تسري؟

ما حِيلتي في التي خانت أمانتها
واستعذبت - ويحها - صنائعَ الغدر؟

ما حِيلتي في التي ترجو فضيحتها
ولا تميل إلى حلاوة الطهر؟

ما حِيلتي في التي أبي تخيّرها
زوجاً وإن ذكرتْ أخلاقها يطري؟

ما حِيلتي في التي إن قلتُ: تعشقني
لقِيلَ كذبك كابن الحارث النضر

ارحمْ أباك من التخريف تطلقه
سَهماً يصيبُ أباك الشهم في النحر

لأجل أمّك أنت اليوم تكرهها
فاحقن كراهية سعيرُها يفري

ولا تسعِّر بما تقول ملحمة
وكن محباً لبذل النصح والخير

يا قوم هذي - إلى الفحشاء - تجذبني
فأين - من هذه - أفر أو أجري؟

فهل أبيع لها نفسي فتوبقني؟
خابت إذا ما اشترتْ وخاب من يشري

وليس يملك نفسي غيرُ خالقها؟
إن الذي قلتمُ في غاية النكر

لن أستجيب لها مهما ابتليتُ بها
وسوف أعمد للإيمان والصبر

وسوف أنصحُها ، أرجو هدايتها
بكل رفق ، بلا سب ولا زجر

والوعظ أبلغ ما أزجيه من خلق
وأخلط الوعظ بالإيلاف والحِذر

فإن هداها مليكُ الناس كنتُ لها
كالعبد يرجو رضا عظيمة القدر

أجلها مثل أمي دائماً أبداً
وبعدُ أغمرُها بالعطف والبر

وسوف أحكي - لمن ألقاه - سيرتها
ولستُ أذكر يوماً سيء الذكر

لكنْ سأذكر من أحلى مناقبها
ما يملأ القلب بالإعزاز والفخر

وإن أبت فأبي قطعاً سيردعُها
وسوف يأخذ ممن أجرمتْ ثأري

إن قلت عنها الذي تنويه صدقني
فليس لي أبداً في الغش والختر

وسوف يطلب برهاناً وتجربة
وسوف يضبطها من كُوة الخدر

أبي رزينٌ ، ولا يجني على أحدٍ
وسوف يدرسُ هذا الأمر بالبشر

فالعدلُ شِيمته في كل معتركٍ
وما لمثل أبي في الغدر والجور

يا أم فلترجعي ، أو أشتكي لأبي
وخل عنك صفاتِ البهم والعير

أستحْيي منكِ أنا ، لذاك فاحترمي
أبي ، ولا تهتكي مقاعد الستر

أراكِ أمي ، ألا يكفي لكبح هوىً؟
وإنني مَحرمٌ في الحل والسفر

يا رب فاهد التي لا ترعوي لفتىً
بالخير ينصحها بمنتهى اليُسر

وصفِّ نيتها مما يدنسُها
كيلا تبوء بموتِ القلب والخسر

© 2024 - موقع الشعر