طِبتَ حياً وميّتاً يا أبتاه! - أحمد علي سليمان

أبي حياتكَ طابتْ ، والردى هانا
وطِبتَ رمزا سما ، وطِبتَ جُثمانا

ذكراكَ في القلب تشجيني وتؤنسُني
جداً ، وتغمرُني شوقاً للقيانا

أصداءُ صوتكَ في الأرجاء صادحة
إما تلوتَ – على الأسماع - قرآنا

ترتلُ الآيَ تلوَ الآي محتسباً
وتُشبعُ السامعَ المحظوظ ألحانا

وكم أمرت بمعروفٍ ومنقبةٍ
بين الخلائق إسراراً وإعلانا

وكم نهيت الورى عن منكر فعلوا
تريدُهم لمليك الناس ُعبدانا

وجُبت (مصرَ) بلا كلٍ ولا مَلل
تدعو إلى الله إعظاماً وإحسانا

لم تخش في الله جباراً لسطوته
ولم تخفْ بأس أجنادٍ وطغيانا

بكَ استبانت أمورٌ طالما خفيَتْ
أرِيتَها مُسمِعاً صماً وعُميانا

بيني وبينك حال الظلمُ منتقماً
وامتدتِ النقمة الدهياء أزمانا

وعشتُ أسأل حولي الناس: أين أبي
وقد تحدّر دمعُ العين هتانا؟

فلا يُجيبون – مهما صِحتُ - أسئلتي
إلا بصمتٍ يزيد القلب أشجانا

فغبت عني ، وطالتْ غربة جثمت
على الفؤاد جوىً يكوي وأحزانا

كيف احتملت بلاءاتٍ إذا ذكِرتْ
آسى لما نلته ظلماً وعُدوانا

وما نزلتَ على مطلوب مَن ظلموا
بل كان صبرُك في التمحيص قربانا

وما تنازلت عن حق تدينُ به
كيلا تُشمّتَ أجناداً ودُهقانا

والكيدُ غالى ، ولم تسكنْ دعايته
تلك التي ساقها زوراً وبُهتانا

ولفق التهم القعساء تشفية
مستصحباً حِيَلاً تُزري وأعوانا

واستمرأ الزيف والتضليل في وضح
والكِذبُ أمسى على التغرير بُرهانا

كال الأكاذيبَ في سر وفي علن
وأمعن السير في التلفيق إمعانا

فشوّهَ السمعة العصماء تصدية
حتى أضلّ بحبكِ الصدّ أذهانا

وفي الجرائد كانت فِتنة عظمتْ
وعاقب الله أفاكاً وفتانا

وفي المجلات تحقيقاتهم رُصدتْ
تحوي من الحقد أصنافاً وألوانا

ويح التقارير غاصتْ في تمحّكها
كأنما أدركتْ - في القاع - طوفانا

ويح الأكاذيب راجتْ في قطيع غثا
رواج شيءٍ خبا وَصْفاً وأثمانا

ويح الأباطيل أملاها جَلاوذة
يُضيّعون بها أهلاً وأوطانا

ويح الحماقاتِ زكّاها وأضرمها
مَن يعبدون على التحقيق شيطانا

ويح السخافات سِيقتْ للذين غووا
فصيّرتهم لمَا حاكوه قربانا

أبي رأيتك أسمى مِن تخرّصهم
سمتاً وهدياً ، وإسلاماً وإيمانا

همْ في الحضيض وأنت الشمسُ ساطعة
تعمّ بالنور آفاقاً وأكوانا

همُ الطواغيتُ عن رب السما عدَلوا
مِن بعد أن عبدوا صخراً وأوثانا

همُ العبابيدُ في أهوائهم سقطوا
وأسّسوا للهوى نصاً وبُنيانا

كنتَ البشير أبي لهم ومنذرهم
تهدي وتنصحُ تفصيلاً وتبيانا

لكنهم جعلوا الجزا مُعاقبة
وكان مَنطقهم سِجناً وسجّانا

فما جزعتَ ، ولم تعطِ الدنية في
دِين تدينُ به الرحمنَ مولانا

وحسبكَ الله ، إن الله منتقمٌ
إن احتساب الأذى يُحذيك سُلوانا

إلى لقاءٍ بجنات المليك غداً
فنحنُ نوقنُ بالجنات إيقانا

© 2024 - موقع الشعر