شموعٌ ودموع! (الحجاج وسعيد) - أحمد علي سليمان

في قلبك النورُ ، فاقذف كبة اللهبِ
وأدّب الظلم ، وامحقْ جوقة الريبِ

وقدّم الروحَ للرحمن خالقها
فِدا الحنيفة ، واقمعْ نزغة الرهب

وأرخص النفسَ ، إن الكل مرتحلٌ
وأمهر الحُور ، إن الحور في طرب

وجمّل البذل بالأفراح منتشياً
قصيدة أنت تزكي دوحة الأدب

قصيدة بالدم الفوّاح أنسجُها
وأبذر الشعر في بُحبوحة اللهب

وأزرعُ النور في بيدائها غرداً
ليعلم الناس ما في النفس من عجب

كأنك النجمُ - في الأفلاك - مبتسماً
تقابلُ الزيفَ والبهتانَ بالشهب

أنت السعيد ، ونحن الحزنُ حطمنا
فقد غرقنا ببحر اللهو واللعب

وكم هُزمنا ، وفل الحرصُ هيبتنا
غاب الإباءُ ، وعنا الذل لم يغب

عدوّنا - بقيود الوهم - كبّلنا
ونحن نوسِعه بالشعر والخطب

طغتْ علينا سيوفُ الغدر جائلة
تخضّب الأرضَ بالرئبالة النجُب

يا ابن الجبير لك التبيانُ مبتشرٌ
وعندك الحجة العصماء في الغلب

بلاغة من كتاب الله عُدتها
تبخترتْ في سنا أصدائها القشب

وأفحمتْ صولة الحجاج في شرفٍ
وودّعتْ غصص الآهات والكُرب

وخلفته صريعاً وسْط جوقته
رغم المكانة والأسياف واليَلب

ورغم جندٍ دماءُ الحق شرْبتهم
تسلحوا بسهام الكيد والقضب

قد مُكنوا من رقاب الصِيد فافترسوا
لحم الهداية ، هذا منتهى الطلب

يا ابن الجبير لديك العِز مبتشرٌ
فيه الرجاءُ - بنصر الله - لم يخِب

أجبت كل سؤال دون توريةٍ
فكل ردٍ له رسمٌ من الذهب

لم تتخذ رخصاً بالرغم قد سهلتْ
لأن قلبك لم يضعفْ ولم يَهب

فلم تعرّضْ ، ولم تعمدْ إلى كذب
وإن كذبت فما قد قلت بالكذب

لأنها حِيلٌ - في الشرع - جائزة
تعمي عدواً لكم فاقوا أبا لهب

لكنْ أخذت بعزم في مواجهةٍ
مثل الذي حار في الأحوال والسبب

يا ابن الجبير ومن في الناس مثلكمُ؟
واجهت لمّا تخفْ من شر منقلب

والعزمُ قادك نحو الخلد ، أحسبكم
كنت الشهيد ، وهذا أعظم اللقب

أقدمْ تر العلم في أيامنا سببٌ
لنيل قوتٍ ، وهذا أعذبُ الرغب

بات التكسبُ بالفرقان منقبة
بضاعة ما لها في السوق من عطب

أهل العمالة للأقوات قد ضمنوا
كذاك حازوا من التكريم والرتب

وشهوة الجسم مرماهم وغايتهم
وقد أجادوا علوم الحبك والهرب

تظاهروا بخِلال الصدق ، فانكشفوا
لأنهم جوقة التضليل والشغب

لمّا الموائدُ مُدت كلهم رتعوا
وعظموا – في البرايا – كل ذي حسب

ولم يخافوا من الجبار أخذته
لكنهم وقفوا للحق كالخشُب

ولم يراعوا لهدي الله من حُرُم
فجَرّعوا من دعا مرارة النوب

يا ابن الجبير وهذا الخذل طابعهم
هم في الحضيض وأنتم في ذرى السحب

أجارك الله مِن أوْضاع مَن فجروا
همُ الذئاب ، وبين الناس كالدبب

© 2024 - موقع الشعر