الحكمة في الشعر العربي! (عبد اللطيف هاشم) - أحمد علي سليمان

أبدعتَ - في الرسم - إبداعاً له ألقُ
ويلمسُ الفنَ إنسانٌ له أفقُ

واخترتَ ترجمة لمَا تحبّرُه
مِن الخطوط لها - في رسمها - عبق

بريشةٍ سمقتْ عن كل سفسطةٍ
حتى استكان لها العلوّ والسَمَق

وللمِداد - على القرطاس - رَونقه
ورسمُ خطك يخبو ، ثم يتألق

سَبا العيونَ جمالُ اللون في وضَح
بُنّيُّ حَرْفٍ زها وأبيضٌ يَقَق

صحائفٌ تحتوي فناً وفلسفة
يشع - من نورها - السرور والأنق

فيها - من الدُر - ما اهتاج البريقُ به
والدُرُ إن سطع الضحى له ألق

رَقمتَ فيها القريضَ العذبَ مزدهياً
يفوحُ منه السنا والسعدُ والشمق

سبائكُ الماس ، أو عِقيانُ غانيةٍ
أو عقدُ حَسناءَ يُبدي حُسنه العُنق

أرعفت يا صاح أقلاماً على ورق
فاستشرب الفنَ مِن سَلسالها الورِق

فيها الزخارفُ كالخِيلان إذ غمرت
وجوهَ غيدٍ عَنتْ لمن به شبق

عبدَ اللطيف مَشقت الخط مُحترفاً
وكم تُسَر بما مَشقته الحِدَق

وقد تُقرمطه حيناً لتدمِجَه
دمجَ الذي يُسرعُ الخطا ، ويستبق

كأنما اخترت عن علم مَراقمه
فأصبحتْ ولها في النسخ مُنطلق

أجدت كل فنون الخط قاطبة
بدقةٍ ضمّها في سِفركم نسَق

الفن أنت ، وجُل الناس قد شهدوا
وللشهادة قومٌ - بيننا - صُدُق

وفي الكتاب دليلٌ ليس يُنكرُه
إلا الذين - بما صَوّرته - شرِقوا

آيٌ من الحِكَم العَصماء قد رُصدتْ
مَعينها القِيَمُ الزهراءُ والخلق

تزينهن خطوط لا تُضارعُها
خطوط قوم ، وإن سَطوْا وإن سَرقوا

فسيفساءٌ يَسرّ القلبَ منظرُها
أو اليواقيتُ يحسو ضوءَها الورَق

ولو ترى الخط: هذا (رُقعة) رُقِمتْ
حروفه ، وعليها الوردُ والحَبَق

وذاك (نسخ) له حُسنٌ يدل به
في رقعةٍ عَذبَتْ ، كأنها السرَق

والظل والضوء قد زانا طلاوته
حرفٌ سَوادٌ ، وحرفٌ أبيضٌ يَلق

وذاك (أندلسيٌ) طاب رَونقه
أضحى يُعيد لنا ذكرى الألى سبقوا

ولو ترى خطه (الكوفيّ) مُستطراً
كالبدر يظهرُ في السما ، ويتسق

وقد يمتعنا بباقةٍ ثلث
فلا يزهّدنا ضِيقٌ ولا قلق

والفارسيّ على الأطراس شمسُ ضُحىً
يفرّ - مِن ضوئها - الديجور والغسق

هذي الخطوط رياضٌ يُستلذ بها
فيها الزهورُ سرى مِن بينها الغدق

عبدُ اللطيف له في الخط مدرسة
عن كل مَن خط - باليراع - تفترق

كتابُه يُخرسُ العذالَ أجمعَهم
ويستهينُ بمن عليه كم حنقوا

مَحَجّة سطعتْ في وجه مُنتفع
طغى - على فكره - الإفلاسُ والخرَق

وحُجة نشرتْ نوراً أدلتها
أمام خِب غوى ، في عقلة نزق

يا جاهلون بما للخط من أسُس
خط (ابنِ هاشمَ) - وايمُ الله - مُؤتلِق

لم تدرسوا الخط كي تُفتوا ، فذا خبلٌ
يُجيدُه - اليومَ - مَن هواهُمُ - اعتنقوا

عبدَ اللطيف إلى الأمام يا بطلاً
ولا يصدك مَن - بالباطل - احترقوا

الفن أنت ، فعتّقْ عِطر جُؤنته
كما يفوحُ الشذى في الجوّ والعَبَق

مازلت تبحث عن ذاتٍ وعن وطن
الفن دارٌ لكم ، ونعم مرتفق

يا صاحب الفن ، طوّعْ فن ذي قِيم
لنصرة الحق أنت الواعظ الذلِق

بخطك العذب أطربْ كل مبتئس
إن الحبورَ - من اللوْحات - ينبثق

أطلق فؤاداً أسيراً رهنَ كُربته
حتى غدا من لظى الأصفاد يَحترق

أهديك شعري أغاريداً أجودُ بها
بكل صدق ، فما مِن طبعيَ المَلق

مِن الفؤاد - إلى الفؤاد - خالصة
إذ ليس مِثلي الذي بالشعر يَرتزق

وصفتُ بالشعر ما قد دار في خلدي
شأنَ الذين إذا ما حدّثوا صدقوا

كتابُك الفذ أغراني بزخرفةٍ
إني - بكل الذي سجّلته - أثق

لذاك دوّنتُ تقريظي على عَجَل
وليس بالقلب - مِن تدوينه - أرق

يا رب باركْ كتاباً كم حَوى حِكَماً
واجعله كالسيفِ في الهيجاء يُمتشق

© 2024 - موقع الشعر