رؤيا وأمل - أحمد علي سليمان

الحُزنُ أدلَى سِتْرَهُ فوقَ الهُمَامْ
والليلُ أقبلَ مِنْ دَهالِيز الزِّحَامْ

وَكَمَا يَمُوتُ المرءُ فِي هذي الدُّنَا
مُسْتَسْلِمًا ومُتَارِكًا أَبَدًا يَنَام

تَطْوِي نَهَارَ المرءِ صَيْحَاتُ الكَرَى
وكمَا تَرَى يَصْحُو ، سيُبْعَثُ للقِيَام

آمنْتُ بالبَعْثِ الذي هوَ آيَة
ويكُونُ ما كتبَ المليكُ ، فلا نُضام

إمَّا إِلى جَنَّاتِ عَدْنٍ ، فالهَنَا
أو في السعير ، عذابُه صِدْقًاً غَرَام

جَاءَ المساءُ ، فقُلتُ: أحيي لَيلَه
يا فرحتِي باللهِ ما أَحلَى القِيام

لَكِنَّ ثُقْلَ النَّوْم أدمَى رغبتِي
وأحالني فوق السرير كما الرُّكَام

وإلى يَمينِي نامَ طِفلي باسمًا
مُتَرنِّمًا ، يا ربَّ بارِكْ الابتسام

داعبتُهُ ، ناجيتُهُ ، ناغيتُهُ
دللتُهُ ، حتى تَغَشَّاهُ النِّيَام

وقَرأْتُ مِن قُرآن ربِّي رُقيةً
ومَسَحْتُ باليُمنَى جراحاتِ الهُمَام

نامَ الصغيرُ ، ولمْ أنمْ ، وَحْدِي هُنا
أبكي عَذاباتِ الأسى وَسْطَ الزِّحَام

أَمْسَكْتُ كَفَّ الطِّفْل أنشُدُ دِفْئَها
وأُمتِّع الذكرى بإيقَافِ الكَلاَم

نَمْ يا صَغيِري ، إنَّ قلبي ساهرٌ
مُترنِّحٌ ، سينامُ إنْ حَلَّ السَّلاَم

أَنَا سَاهِرٌ ، والدمعُ يغمرُ وجنتِي
أبكي رَحيلَ الدينِ عَنْ هَذِي الطَّغَام

إِنَّ الخُطُوبَ عَلَيكَ تَتْرَى ، قلتُ: نَمْ
وأخافُ أنْ تُرمَى كما يُرمَى الحُطَام

والأَمرُ أكبَرُ مِنْ أبيكَ حقيقةً
عَفْوًا بُنَيَّ ، فمِنْ يَدِي انْفَلَتَ الزِّمام

أَلْقَيْتُ فِي المَيْدان سَيْفي مُكرَهًا
وَطَرَحْتُ راحلتي ، ومَزَّقْتُ الخِطَامْ

طَرَحَ الصَّغِيرُ غَطَاءَهُ ، غَطَّيْتُهُ
ودَعَوْتُ ربي يَجْعَلَنْ فِيهِ الوِئَام

وأَتَى عَلَىَّ النَّوْمُ ، سُنَّةُ ربِّنَا
أطفَأتُ مِصْبَاحِي الحَسِيرَ المُستَضَام

وَذَكرْتُ رَبي ، ثُمَّ نِمْتُ كَمَا الدُّمَى
والعينُ دامعةٌ تُمزِّقُهَا السِّهَام

والقَلْبُ يَبْكِي ، والخُطوبُ كثيرةٌ
والأنفُ راشحةٌ تَعَاوَرَها الزُّكَام

والكُلُّ حَوْلِي نَامَ لَمْ يَعْبَأ بما
قدْ حَلَّ بي ، أواه مِنْ فِعْلِ اللِّئَام

نَامُوا كَكُلِّ المُسْلِمينَ ، وشَخَّروا
ما عَادَ يَنْقُصُهُمْ سوَى الموت الزُّؤام

إِخْوانُهُم فِي كُلِّ صُقْعٍ عُذِّبُوا
وغدًا وربِّ النَّاس يَطوينا الحِمَام

الكُلُّ بُغيَتُهُ النُّقُودُ ، ولا سِوَى
والدِّينُ أوْلى عِنْدَ أقوامٍ كرَام

مَا نِمْتُ ، بَلْ أَمْسَكْتُ قِرْطَاسَ الجَوَى
ويَراعَ فِكْرِي ، كي يفيق لي النِّيَام

لكنَّمَا رَبُّ الأنام أنامَنِي
فَسَعِدْتُ أَنِّي نِمْتُ خمْسًا بِالتَّمَام

ورأيَتُ فِي نَوْمِي العُجَابَ بعينِهِ
أغلَى مِنَ اليَاقُوتِ هَا ذَاكَ المَنَام

واللهُ يَشْهَدُ أَنَّ شِعْرِي صَادِقٌ
مِنْ فَضل ربِّي ، صِدْقُهُ حَدُّ الحُسَام

فَرأَيتُ وَاللهِ العزيز كَأنَّنِي
مَعَ رِفْقَةٍ لي بَادلوني الاهْتِمَام

وَأَخَذْتُ أَحْكِي عن جراحاتي لهم
والوَجْهُ مُتَّجِهٌ إلى ذاكَ الإِمَام

وإذا بعَيْنِي عَبْرَ تكليمي ترَى
فسَجَدْتُ شُكرًا للذي بَرَأَ الأَنَام

وكَتَمْتُ عنْهُم مَا أرى مِنْ فَرْحَتِي
وهُرِعْتُ أُخْبرُ زَوجَتِي أُزكِي الغَرَام

لتُؤوِّلِ الرُّؤيَا ، فَذلك فِقْهُهَا
أبدًا ، وتعبيرُ الرؤى عِلْمٌ يُرَام

لَكِنَّمَا طَرَحَ الصَّغيرُ غِطَاءَهُ
فَصَحَوتُ مِنْ نَوْمِي ، وأحزانِي الجِثَام

رَبَّاهُ ، فاجْعَلْهَا حَقيقةَ مُقلتي
أنتَ المُرَجَّى في العَذاباتِ العِظَام

© 2024 - موقع الشعر