دعوة إلى التأمل - أحمد علي سليمان

مَتِّعِ النَّفْسَ وَزِدْ فِي النُّقَلِ
وفْقَ شَرْعِ الله ، ثُمَّ ابْتَهِلِ

نَاظِرِ الأَكْوَانَ ، سَبِّحْ رَبَّهَا
أَنْتَ مَنْسُوبٌ لِخَيرِ المِلَلِ

اُنْظُرِ الأَفْلاكَ فِي جَوْفِ السَّمَا
كَيفَ تَجْرِي تَزْدَهِي فِي الحُلَلِ؟

وَارْقُبِ الأَسْمَاكَ فِي نَهْرٍ جَرَى
كَيفَ تَجْرِي سَاجِياتِ الغَزَلِ؟

مَازِحِ البَدْرَ الضَّحُوكَ ثَغْرُهُ
وَامْنَحِ النَّظْرَةَ بَعْضَ الوَجَلِ

دَاعِبِ الأَشجَارَ ، نَمْ فِي ظلِّهَا
إِنَّ ظِلَّ الدَّوْحِ بَعْضُ الأَمَلِ

اِصْغِ لِلأَمْوَاجِ ، غَازِلْ طَيفَهَا
لا تَخَفْ مِنْهَا غَزِيرَ البَلَلِ

وَارْمُقِ الطَّيرَ البَدِيعَ سِرْبهُ
تَلْقَهُ عِطْرًا ، بِكُلِّ السُّبُلِ

صَافِحِ الشُّطْآنَ ، هَذَا ظِلُّهَا
يمْنَحُ النَّشْوَةَ قَلْبَ الطَّلَلِ

وَافْتَكِرْ فِي رَفْعِ رَبِّي للسَّمَا
هَلْ تَرَى مِنْ فُرْجَةٍ أَوْ خَلَلِ؟

ثُمَّ فِي هَذِي الرَّوَابِي سَبَّحَتْ
وَاخْضِرَارِ الرَّوْضِ تَحْتَ الأَسَلِ

وَابْتِسَامِ الشَّمْسِ فِي وَقْتِ الضُّحَى
لَيسَ يُبْقِي فِي النُّهَا مِنْ كَسَلِ

قِفْ حِيالَ الكَوْنِ وَارْقُبْ مَا حَوَى
أَزْهُرٌ تَحْيا بِرَأْسِ الجْبَلِ

وَخَيالٌ يحْتَسِي نُوْرَ الهَوَى
عَاشِقٌ يصْغِي لِصَوْتِ الخُطُلِ

وَجَمَالٌ يسْتَقِي ضِحْكَ الدُّنَا
هَائِمٌ مِنْ قَلْبِهِ وَالمُقَلِ

وَصَفَاءٌ يرْتَوِي مِنْ دَوْحَةٍ
نَاعِسٌ فِي حِضْنِهَا كَالحَمَلِ

وَهَوَاءٌ بَاسِمُ الثَّغْرِ غَدَا
حَالِمَ الرِّيشِ كَمِثْلِ الحَجَلِ

وَنَسِيمٌ شَاقَهُ لَحْظُ النَّوَى
طَيبُ الحُسْنِ نَدِي العَبَلِ

وَأَصِيلٌ ضَاحِكُ العِطْرِ دَنَا
رَائِعُ الحُبِّ كَبَحْرِ الرَّمَلِ!

وَنَهَارٌ يمْلأُ النَّفْسَ هَنَا
طَيّبُ الذَّوْقِ كَمِثْلِ العَسَلِ

ثُمَّ يأْتِي اللَّيلُ يجْتَاحُ العَنَا
دَاكِنَ الثَّوْبِ شَدِيدَ الذَّهَلِ

ويواتي الفَجْرُ لَمَّاحَ الضِّيا
يحْمِلُ الزَّادَ بَطِيءَ الخَجَلِ

وَسِنِي العُمْرِ تَمْضِي ، وَالسَّنَا
مِثْلَمَا يمْضِي سَرَابُ الوَشَلِ

أَوْ كَنَبْتٍ شَبَّ فِي حِضْنِ الرُّبَا
غَابَ عَنْهُ الشَّيبُ خَلْفَ القَبَلِ

غَابَ وَحْي الله ، ضَاعَتْ أُمَّةٌ
فَتَأَمَّلْ فِي سَرَابِ النُّقَلِ

فَوْقَ شَوْكِ الوَهْمِ سَارَتْ أُمَّتِي
وَي كَأَنْ لَمْ تَعْتَبِر بالعُضَلِ!

فَتَأَمَّلْ فِي الوَرَى أَوْضَاعَهَا
تَلْقَهَا نَاءَتْ بِعِبءٍ دَحِلِ

أَنْتَ مَخْلُوقٌ بِعَينٍ كَي تَرَى
لَسْتَ فِي الدُّنْيا كَمِثْلِ الهَمَلِ

فَانْظُرِ العُمْرَ الَّذِي وَلَّى سُدَىً
فِي كُهُوفِ الطَّيفِ أَوْ فِي القُلَلِ

كُنْتَ فِي جَوْفِ الحَنَايا نُطْفَةً
فَجَنِينًا نابضاً ذَا نُبُلِ

صِرْتَ طِفْلاً فَغُلامًا يافِعًا
فَشَبَابًا ، يا لَهُ مِنْ رَجُلِ!

كَيفَ تَنْسَى عُمْرَكَ الرَّاحِلَ قُل؟
وَدِّعِ الأَمْسَ بِكُلِّ القُبَلِ

أَنْتَ مَخْلُوقٌ لأَسْمَى غَايةٍ
تَعْبُدُ الرَّحْمَنَ حَتَّى الأَجَلِ

فَانشُدِ الذِّكْرَى بِكَوْنٍ نَاطِقٍ
لامِعِ النَّشْوَى كَبَرْقِ الخَضَلِ

وَتَأَمَّلْ فِي ينَابِيعِ الهُدَى
فَهِي نُوْرٌ، مَا بِهَا مِنْ طَفَلِ

إِنَّمَا الكَوْنُ كِتَابٌ مُشْرِقٌ
فَتَأَمَّلْ تَنْفِ بَعْضَ الدَّخَلِ

وَكَذَا القُرآنُ فَانْظُرْ آيهُ
تَجِدِ الفُرْقَانَ غَضَّ الرَّتَلِ

وَكِتَابُ الكَوْنِ بَرَّاقُ السَّنَا
وَكِتَابُ الله عَذْبُ الأُكُلِ

خَلَقَ المَوْلَى بِحَقٍّ كَوْنَهُ
ثُمَّ أَوْحَى الذِّكْرَ خَيرَ الرُّسُلِ

لا غِنَى لِلْكَوْنِ عَنْ قُرآنِهِ
ذَلِكَ المَعْرُوْفُ مُنْذُ الأَزَلِ

فَكِتَابُ الكَوْنِ مُحْتَاجٌ إلَى
مَا حَوَى القُرآنُ للمُمْتَثِلِ

فَبِهِ التَّشْرِيعُ عَذْبًا سَائِغًا
لذَّةٌ تَشْفِي جَوَى المُنْتَهِلِ

وَبِهِ التَّارِيخُ دُرًّا نَاصِعًا
وَبِهِ الأَنْبَاءُ ذَاتُ المُثُلِ

وَبِهِ الذِّكْرَى كَحِيلٌ طَرْفُهَا
إِثْمَدُ التَّذْكِيرِ فَوْقَ الكَحَلِ

وَبِهِ الجَنَاتُ تُؤْوِي أَهْلَهَا
وَبِهِ النِّيرَانُ مَثْوَى الجُعَلِ

وَبِهِ أَخْبَارُ مَنْ ذَا يهْتَدِي
وَبِهِ أَخْبَارُ أَهْلِ الدَّجَلِ

وَبِهِ الأَرضُ جَمِيعًا وَالسَّمَا
لا مِرا فِيهِ لأَهْلِ الجَدَلِ

إِنَّهُ القُرآنُ هَدْي (أَحْمَدٍ)
مَنْهَلُ التَّقْوَى وَنَبْعُ الأُولِ

تَغْدُ قُرآنًا إِذَا طَبَّقْتَهُ
صِرْتَ فِينَا الشَّهْمَ خَيرَ المَثَلِ

دَعْوَةٌ هَذِي لأَسْنَى نَظْرَةٍ
فِي كَلامِ الله ، هَيا امْتَثِلِ

ثُمَّ فِي قَوْلِ النَّبِي المُصْطَفَى
خَيرِ مَخْلُوقٍ ، وَتَاج الرُّسُلِ

ثُمَّ فِي كَوْنِ الإِلَهِ نَظْرَةٌ
تَدْفَعُ الإِنْسَانَ نَحْوَ العَمَلِ

لَيسَ تُبْقِي النَّفْسَ فِي ذِلاَّتِهَا
وَتقَي المَخْلُوقَ سُوءَ الدَّغَلِ

تَخْلَعُ الأَوْبَاشَ مِنْ قَلْبِ الفَتَى
كَيفَ يهْوَى المَرْءُ أَهْلَ السَّفَلِ؟

كَيفَ يرْضَى العَيشَ مَنْزُوعَ الحَيا؟
كَيفَ يحْيا فِي جَحِيمِ المَيَلِ؟

كَيفَ لا يدْعُو إِلَى إِسْلامِهِ؟
كَيفَ يسْعَى فِي دُرُوْبِ الفَشَلِ؟

إِنَّمَا الحَقُّ حَياةٌ ، فَانْتَبِهْ
وَانْأَ عَن قَوْمٍ غُفَاةٍ عُثُلِ

أَنْتَ فِي الأَكْوَانِ بَدْرٌ نَيرٌ
فَأَنِرْ عَيشَ الوَرَى بِالشُّعَلِ

وَتَأَمَّلْ أُمَّةً ضَاعَتْ سُدَى
وَأَنَاخَتْ ظَهْرَهَا لِلْضَّلَلِ

سَتَرَاهَا قَصَّرَتْ فِي دِينِهَا
وَبِهَا الأَقْوَامُ مِثْلُ الرَّسَل

إِنَّنِي أَدْعُوكَ ، فَاقْبَلْ دَعْوَتِي
لا تَرُمْ عَنْ دَعْوَتِي مِنْ حِوَلِ

© 2024 - موقع الشعر