يا نَسمَةً لِأَحاديثِ الحِمى شَرَحَت - صفي الدين الحلي

يا نَسمَةً لِأَحاديثِ الحِمى شَرَحَت
كَم مِن صُدورٍ لِأَربابِ الهَوى شَرَحَت

بِلَيلَةِ البُردِ يُهدى لِلقُلوبِ بِها
بَردٌ فَكَم أَنعَشَت صَبّاً بِما نَفَحَت

وَبارِقٍ كَسَقيطِ الزَندِ مُقتَدَحاً
لَهُ يَدٌ لِزِنادِ الشَوقِ قَد قَدَحَت

بَدا فَذَكَّرَني أَرضَ الصَراةِ وَقَد
تَكَلَّلَت بِالكَلا وَالشيحِ وَاِتَّشَحَت

وَالريحُ نافِحَةٌ وَالسُحبُ سافِحَةٌ
وَالغُدرُ طافِحَةٌ وَالوُرقُ قَد صَدَحَت

وَقَهوَةٍ كَوَميضِ البَرقِ صافِيَةٍ
كَأَنَّها مِن أَديمِ الشَمسِ قَد رَشَحَت

عَذراءَ شَمطاءَ قَد خَفَّ النَشاطُ بِها
لَولا المِزاجُ إِلى نَدمانِها جَمَحَت

رَقيقَةِ الجِرمِ يَستَخفي الزُجاجُ بِها
كَأَنَّها دونَ جِرمِ الكَأسِ قَد سَفَحَت

تُبدي عَنِ الماءِ صَبراً كُلَّما تُرِكَت
غَضبى وَتُزبِدُ مِن غيظِ إِذا اِصطَلَحَت

باكَرتُها وَعُيونُ الشُهبِ قَد غَمِضَت
خَوفَ الصَباحِ وَعَينُ الشَمسِ قَد فُتِحَت

وَبَشَّرَت بِوَفاةِ اللَيلِ ساجِعَةٌ
كَأَنَّها في غَديرِ الصُبحِ قَد سَبَحَت

مَخضوبَةُ الكَفِّ لا تَنفَكُّ نائِجَةً
كَأَنَّ أَفراخَها في كَفِّها ذُبِحَت

وَظَبيَةٍ مِن ظِباءِ التُركِ كانِسَةٍ
لَكِنَّها في رِياضِ القَلبِ قَد سَرَحَت

إِن جالَ ماءُ الحَيا في خَدِّها خَجِلَت
وَإِن تَرَدَّدَ في أَجفانِها اِتَّقَحَت

قَسَت عَلى صَبِّها قَلباً وَوَجنَتُها
لَو مَرَّ تَقبيلُها في الوَهمِ لِاِنجَرَحَت

سَأَلتُها قُبلَةً وَالوَقتُ مُنفَسِحٌ
لَنا فَما رَخَّصَت فيها وَلا فَسَحَت

وَخِلتُ أَعطافَها بِالعَطفِ تَمنَحُني
فَما نَحَت ذَلِكَ المَنحى وَلا مَنَحَت

كَم قَد عَصَيتُ اللَواحي في إِطاعَتِها
وَإِن أَلَحَّت عَلى عَذلي بِها وَلَحَت

مَن لَيسَ يَخشى أُسودَ الغابِ إِن زَأَرَت
فَكَيفَ يَخشى كِلابَ الحَيِّ إِن نَبَحَت

ما إِن أَخافُ مِنَ الأَيامِ فادِحَةً
إِذا يَدُ الدَهرِ في أَبنائِهِ فَدَحَت

وَكَيفَ تُفسِدُ أَيدي الدَهرِ حالَ فَتىً
أُمورُهُ بِالمَليكِ الصالِحِ اِنصَلَحَت

الباسِمِ الثَغرِ وَالأَيّامُ عابِسَةٌ
وَالأَبلَجِ الوَجهِ وَالأَبطالُ قَد كَلَحَت

وَالشائِعِ الذِكرِ بِالمَعروفِ في زَمَنٍ
لَو كابَدَتهُ رِياحُ المِسكِ ما نَفَحَت

أَعَزُّ أَظهَرَ مِن راياتِ عَزمَتِهِ
آياتِ جودٍ لِآياتِ الكِرامِ مَحَت

أَخفى المُلوكَ تَجَلّيهِ لِأَنَّهُمُ
شُهبٌ إِذا بَزَغَت شَمسُ الضُحى نَزَحَت

تَلوي يَداهُ صِفاحَ الهِندِ عَن غَضَبٍ
حَتّى إِذا ظَفِرَت عَن قُدرَةٍ صَفَحَت

ما إِن تَزالُ مَقاليتاً خَزائِنُهُ
لِأَنَّها بِوَليدِ المالِ ما فَرِحَت

لَولا فَنا المالِ لَم تُحمَد مَكارِمُهُ
وَالراحُ لَولا فَناءُ العَقلِ ما مُدِحَت

أَثنى عَلَيهِ بَنو الآمالِ حينَ غَدا
يُعطي القَرائِحَ مِنهُم فَوقَ ما اِقتَرَحَت

قالوا وَرَدنا نَداهُ قُلتُ عادَتُهُ
قالوا وَجادَت يَداهُ قُلتُ ما بَرِحَت

لَو أَنَّ نَيلَ نُجومِ الأُفقِ حاجَتُكُم
أَو بَدرَها وَاِفتَتَحتُم بِاِسمِهِ نَجَحَت

يا قائِدَ الخَيلِ تَنزو في أَعِنَّتِها
تَلوي الشَكائِمَ غَيظاً كُلَّما مَرَحَت

حَمرَ الأَديمِ صَقيلاتٍ مَلابِسُها
كَأَنَّها في دَمِ الأَبطالِ قَد سَبَحَت

تَغدو غَضابى إِذا اِسوَدَّ العَجاجُ لَها
حَتّى إِذا شاهَدَت ضُحكَ الظُبى فَرَحَت

يَحمِلنَ أُسداً إِلى الهَيجاءِ باسِمَةً
ثُغورُها وَوُجوهُ المَوتِ قَد كَلَحَت

لا يَستَشيرونَ في الهَيجا سِوى قُضُبٍ
إِذا اِستُشيرَ بِها في مَعرَكٍ نَصَحَت

خَفّوا إِلى الحَربِ أَقداماً وَلَو وُزِنَت
حُلومُهُم بِرَواسي أَرضِهِم رَجَحَت

غَضَّ الزَمانُ عُيونَ السَوءِ عَن مَلِكٍ
كُلُّ العُيونِ إِلى مَعروفِهِ طَمَحَت

مِن فِتيَةٍ بِحُمَيّا الشُكرِ قَد سَكِرَت
لِفَرطِ ما اِغتَبَقَت بِالمَدحِ وَاِصطَبَحَت

تَلقى العُفاةَ مِنَ المَعروفِ دارِعَةً
أَعراضُها بِنِصالِ الذَمِّ ما جُرِحَت

يُملي عَلَينا المَعاني حُسنُ أَنعُمِهِ
كَأَنَّما عَلَّمَتنا ما بِهِ مُدِحَت

يا مَن بِهِ خُتِمَت آيُ السَماحِ لَنا
كَما بِآياتِهِ مِن قَبلِهِ فُتِحَت

لَولاكَ ما زالَ لَيلُ الخَطبِ مُعتَكِراً
عَلى الوَرى وَضُحى الإِنصافِ ما وَضَحَت

تَتَبشِرُ الشَمسُ لَمّا لَقَبوكَ بِها
وَما دَرَت أَنَّها في ذَلِكَ اِفتَضَحَت

لَو أَنَّها جَمَعَت أَوصافَكَ اِتَّفَقَت
عَلى عِبادَتِها الأَديانُ وَاِصطَلَحَت

وَلَيلِ نَقعٍ حَكَت شُهبُ الرِماحِ بِهِ
نُجومَ أُفقٍ إِلى جُنحِ الدُجى جَنَحَت

قَدَحتَ فيهِ مِنَ الآراءِ نارَ وَغىً
فَأَحرَقَت فِئَةً في المُلكِ قَد قَدَحَت

تَدَرَّعَت لِلوَغى حَتّى حَسَرتَ لَها
مُبارِزاً قَهقَرَت مِن بَعدِ ما جَمَحَت

أَرخى الحِذارُ عَلى الأَرماحِ أَيديهِم
فَكُلَّما حاوَلوا طَعناً بِها سَبَحَت

يا باذِلَ الخَيلِ عَفواً بَعدَ عِزَّتِها
وَما جَنَت في الوَغى ذَنباً وَلا اِجتَرَحَت

عِندي أَياديكَ لا تَخفى صَنائِعُها
هَل تَستُرُ الشَمسَ كَفٌّ بَعدَما وَضَحَت

وَدَّعتُكُم وَثَنائي لا يُوَدِّعُكُم
وَسِرتُ لا بَعُدَت داري وَلا نَزَحَت

أَشدو بِمَدحِكُمُ حُبّاً وَبي مِحَنٌ
لَو أَنَّ أَيسَرَها بِالوُرقِ ما صَدَحَت

ما إِن أَفوهُ بِشَرحٍ في المَقالِ لَها
لَكِنَّها بِلِسانِ الحالِ قَد شَرَحَت

لا أَذمُمُ الدَهرَ في أَمرٍ رُميتُ بِهِ
وَلا أَقولُ حَصاةُ الحَظِّ ما رَشَحَت

وَكَيفَ أَنسُبُ فَرطَ البُخلِ في زَمَنٍ
أَكُفُّهُ بِبَقا أَمثالِكُم سَمَحَت

لَئِن نَأَت عَنكُمُ يَوماً جَوانِحُنا
فَإِنَّ أَرواحَنا في رَبعِكُم جَنَحَت

وَكُلَّ يَومٍ مَقالي عِندَ ذِكرِكُمُ
يا ساكِني السَفحِ كَم عَينٍ بِكُم سَفَحَت

© 2024 - موقع الشعر