تحية رقيقة إليك يا غدير - أحمد علي سليمان

جمالٌ في الكلام وفي الصفاتِ
بربكِ ، أنتِ معجزة البناتِ

لكِ الأفكارُ ، ذللها إباء
فليست تشتكي ألم الثبات

وطيفك في سماء العز يسمو
ويضربُ في دهاليز الحياة

وجدتكِ تسألين ، فقلت: مرحى
بكل تساؤل بالخير آت

فلما أن أجبتُ ، سألتِ أخرى
فقلتُ: أيا غدير الشوق: هاتي

نفحتكِ من مَعين الذكر قسطاً
وقدتكِ في سبيل الطيبات

وقد علمْتكِ التقوى ، وقلبي
تعلق في الخلائق بالفتاة

حياؤكِ في جبينك مستنيفٌ
يرفرف حول شمس المعجزات

غديرٌ ، أنت في الدنيا غديرٌ
ملئ بالسجايا والعِظات

ذكاءٌ في ربوع المهد يلهو
له ترنيمة مثل الحُداة

له أدواته مِن كل شأن
وليس يغيب عنهُ من أداة

وإن نيلتْ سرائرُه تباكى
وأمعن في تفاصيل الشكاة

وصدقٌ في الحديث بغير خوفٍ
وهذا الصدقُ من أزكى الصفات

وإحساسٌ يداعبه شعورٌ
بأن النصر منزلة التقاة

وإن الحق باق ليس يخبو
وإن النور في قول الرواة

وشوقٌ للقراْن لدى غدير
كذلك شوقها للمَكرُمات

وإن قرأتْ تجيد ، وقد تعاني
وتشكو بعض حرف كالصفاة

تعثرُها يذكّرني زمانا
قرأتُ الذكر مُجتث القناة

فما كنتُ المبرّد أو خليلاً
وليس أبي مِن القوم النحاة

تلوت (الشمسَ) شمشاً دون وعي
فكررها المعلمُ في أناة

فلمّا لم أجوّد سلّ سوْطاً
وفجَّر دمعتي وتأوهاتي

وقال: الآن فاقرأ ، قلت: سمعاً
وأمهلني فضمدتُ لهاتي

ورتلتُ ، فما أخطأتُ حرفاً
حمدت الله رب الكائنات

لذا كانت (غديرٌ) نعم ذكرى
لمن علمني معنى حياتي

غديرُ أراكِ في الأفلاك نجماً
يُعاني حيف أسياف الكُماة

تحيط به الرزايا من قريب
وتهزمه دهاقنة الحُماة

وتقمعه المطارقُ في ديار
تكمم نور أفواه الدعاة

وتخذل ربها في كل حين
وتسعى خلف تضليل الرعاة

ينال الكافرون جنى قراها
وتعصف بالتقاة رحى الممات

غديرُ ، وأنتِ أعذبُ من أناجي
وكم أضرمت فحوى ذكرياتي

تحب العلم ، ثم له تضحي
وكم للعلم كم من تضحيات

وتعشق ضادنا ، لكنْ بعُسر
وإن الضاد نبراسُ اللغات

فتلفظها ، ولكن بعثار
ومنطقها يدق الدائرات

تعرقلها حروف الضاد نطقاً
ويوماً ستصير مُسَلمات

فتاة تطلب العلم وفيراً
ونورُ العلم خيرُ الأعطيات

وتنشد جذوة الأدب المُعلى
بكل الجد لا بالأمنيات

وكم في اسم (الغدير) من المعاني
وكم يحوي رطيبات النكات

وفي قطراته كم من مَرام
وكم في لفظه مِن نفحات

فإن (الغين) غِيد تتهادى
بعصر العمر أو ليل البيات

غديرٌ غادة بين الصبايا
علاها الحسن بين النيرات

غِناها بالجمال اليوم سمتٌ
تعالى الله مَن يعطي الهبات

وإن (الدال) درٌ يتغنى
يَزينُ الليلَ عبر الأمسيات

دلالٌ فاق أوصاف قريضي
وبات الشعر يُزكي نغماتي

دواءُ السمع إنصات إليها
إذا قرأت عليه العاديات

وإن (الياء) يُمنٌ وابتشار
إذا جلست تفكر في القساة

أناسٌ أعرضوا عن كل هدي
وعاشوا بيننا مثل الرفات

فأقطع طيفها بلظى انفعالي
كفاكِ الآن هذا يا فتاتي

وإن (الراء) روض لا يُبارى
وسَلْ عنه أهازيج الشداة

رواقٌ ضم سُمار المعالي
وكم عانوا أعاصير الشتات

وكم قد أنشدوا بوح القوافي
وكانوا قبلُ في جوف السكات

تجاذبني (غدير) سؤال قلب
فأشعر بالعذوبة كالفرات

وتسأل عن حياتي كيف تمضي؟
وماذا خلف صمت تأملاتي؟

وقالت: هل تراك سئمت عبئي؟
أآثرت التخلي عن حياتي؟

أقالتْ (أم عبد الله) دعها؟
أتعزم أن ترى قطع الصلات؟

أتنوي أن تفارقنا ملياً
أأزعجكِ التهائي والتفاتي؟

فقلت: أيا بنية ، أنت عجلى
فإنك بالفؤاد إلى وفاتي

أحبك مثل (فاروق) فؤادي
ولا أنساكِ يا عطر البنات

كذلك (أم عبد الله) قالت
حبيبتنا (غدير) الذكريات

لذا فوصيتي أن تستقيمي
فكوني في فريق الفضليات

يمين الله نعم البنت أنتِ
ويوماً تدركين الخيّرات

ويوماً تفهمين صدى قصيدي
ويوماً تبصرين مدى وصاتي

غدير ، تزودي بالدين درعاً
ولا يغررك تزييفُ العتاة

يعيش المرء بالهدي مهاباً
وترْك الهدي سعيٌ للموات

أخاف عليك من دنيا البرايا
فكم في عصرنا من عائدات

وكم بين الخلائق من بلايا
وكم في دارنا من مغريات

لقد فكرتُ في الأمر ملياً
وأعياني التدبر في الغفاة

وكم أنذرتُ ، والقوم سُكارى
محوْا صوتي ، فحطمتُ دواتي

وكم أفصحتُ عن حق جهير
وأرجعتُ السنين الأوليات

وأعطيتُ الورى ما غاب عنهم
ولم أعملْ حساباً للرماة

رمَوني في فؤادي ، وجفوْني
ورب الناس مِن فوق الجُفاة

سينتصر المليكُ ، وذاك عهدي
وإني صابر رغم الأذاة

بكى قلبي وعيني وضميري
وقد أمست دموعي مُلقيات

وليس عليكِ حزنٌ يا فتاتي
ولكني أبث توجعاتي

لقد خان الرفيقُ هنا عهودي
وهذا لم يدُرْ بتوقعاتي

وقد أصبحتُ صيداً لعدوي
وذِبحاً للرماح وللقناة

وعين في ضمير الغيب صارت
تعاورها الكُماة من القذاة

وكانت في جبين المرء تاجاً
وتبصر في الظلام وفي الغداة

وكانت في (البرير) ضحى نهاراً
وأزتها عيونُ الناظرات

لذلك عندما الليل أتاها
طواها في خضم الغاشيات

ولازالت دموعُ العين خجلى
على الخدين تشكو الحادثات

وناحت مقلة العين اكتئاباً
ولا زالت دموعي نائحات

وإني قد صبرتُ لحكم ربي
ولكني أزرّ تحسراتي

على التوحيد كيف به مسجىً؟
ونعش الصدق فوق الهام آت

لماذا الحق في الكون يعاني
وأصحاب الهدى في المعضلات؟

وأهل البغي في خير ونعمى؟
وهم في الدعر من أعتى البناة

ويقتلني التناقض في دياري
فأرتجل القصيدة كالهواة

أخاف إذا رأتها عين وغدٍ
غليظِ الطبع من أشقى النعاة

فيطعن بالجهالة شعر صدق
حوى حسي وإحساسي وذاتي

وشخصَ ما يلاقى من ضوار
بأطيب ما يؤدي من سِمات

غديرُ ، ألا اعذريني ، إن شعري
يبث الآه خير المسلمات

وأنتِ اليوم روحٌ تتملى
عبير الذكر لا تنسَيْ شكاتي

أراك اليوم نهباً للأعادي
وحول الدار أسيافُ الجُناة

وكم مستقبل في الغيب خافٍ
تسربل في قيود الشائعات

عليكِ أخاف من كل قريب
وأشفق من صنيع الصاحبات

أغار عليك من كل بعيدٍ
يريدُ هتك عِرض المحسنات

حذار يا غدير من اللواتي
يبعن الدين في سوق الغواة

ملأن الأرض تيهاً ودلالاً
وقد جُبن القرى مستعطرات

كشفن وجوههن بلا حياءٍ
وطلقن الحيا ، والقبحُ عات

وزخرفن الوجوه بكل لون
وسرْن اليوم خلف الساقطات

غدير عليكِ بالتقوى لباساً
فتقوى الله زادُ الصالحات

كذلك وحِّدي الرحمن ، هذا
وربك دربُ كل المؤمنات

وصلي الفرض والنفل ، وتوبي
فكل الشر في ترك الصلاة

وغطي الوجه من بعد بلوغ
فسترُ الوجه دأبُ القانتات

وبرّي الأم والوالد حباً
فإن البرّ سمتُ الخاشعات

ولا تغررْكِ مَن ضلت وخابت
وحادت عن طريق العابدات

فعقتْ أمها ، وقلتْ هداها
قد انتهجت صراط الخائبات

غدير عليك بالقرآن هدياً
وسُنة (أحمد) خير الهداة

كتاب الله نور القلب صدقاً
يبدّد زيفَ كل الموبقات

ويمنحك الرشاد ، فلا تحاري
ويعطيك الدلائل واضحات

ويهديك السبيل إلى جنان
بربك إنه حبل النجاة

وصومُ الشهر فرضٌ فاستجيبي
وكوني في عِداد الصائمات

وزادُ الروح حكمة مصطفانا
تقبلْ رب بذل العاملات

وبأسُ الدرب صبرٌ مستطابٌ
ألا ، فلتأتسي بالصابرات

وشر الإبتلاء المُر حتمٌ
فكوني خير نفس مبتلاة

وخذلُ الصحب أضحى اليوم سَمتاً
فلا تستصحبي المتخاذلات

وكوني النجم همته الثريا
وخلي عنك ذعر المُرجفات

ولا تستسلمي لليأس حيناً
عليك بالأماني المُشرقات

ومن خلف الأماني عذبُ سعي
فلا يكفي سرابُ الأمنيات

ومركبُك الأمانة فاحمليها
وكوني بين حزب الحافظات

ولا تستهزئي يوماً بهدي
فإن النار للمستهزئات

ولا تستكثري في الخير مالاً
جنانُ الخلد للمتصدقات

بغير الله لا تلقي يميناً
وخلي هيعة المتضرحات

فلا تتوسلي بالقبر حيناً
وليس هناك ذبح الأضحيات

ولا تتحاكمي للعُرف يوماُ
فما هذا صنيعَ المسلمات

أعيذك من فِخاخ الشرك هذي
فإن الله مخزي المُشركات

أحذركِ الضلالة كل قصدي
وأخشى لوثة المستنقعات

ألا ، لا تقربي أي ابتداع
فإن الشر صِنوُ المحدثات

وذرّي النصح في الخلق مِراراً
وإن كره البرايا الناصحات

وقومي الليل ، إن الليل غنمٌ
وكُفي عن سُبات النائمات

مُري بالخير ، وانهي عن فسادٍ
ولا ألقاكِ في المُترهلات

ولا ترضي سوى الصالح بعلاً
وكفي عن هوى المتهورات

ولا ألقاك في سوق الأيامى
فعُدتنا من المتزوجات

غدير الخير ، والحج جهادٌ
فحُجّي البيت من قبل الممات

وقري في ظلال البيت ، هذا
نداءُ مليكنا للمؤمنات

ولا ترجي من الحمقاء رُشداً
لأن الحمق داءُ الغافلات

قد استغنتْ عن الدين بدنيا
رأت خيراً سبيلَ المُفلسات

قد اتخذت من التضليل هدياً
لذا لفظت يواقيت الهداة

ولم تعبأ بنصح أو رشاد
فجاءتها المنايا مُشرعات

ذري الحمقاء هذي واقمعيها
بآيات (الضحى) و(المُرسَلات)

دعيها يا غدير ، ولا تبالي
فدونك غيرها في المُقْبلات

وكوني لبنيك خير أم
ومفخرة لعز الأمهات

كأم الشافعي ، وفيك خيرٌ
تعول بمغزل تاج الدعاة

ووالدة (ابن حنبل) نعمَ أمٌ
فقد عاشت له كالقاعدات

وآثرتِ الأيومة باحتفاءٍ
على زوج يُضاعف في الشكاة

فعلمَتِ الغلام ، ونشأته
على خير الفضائل والصفات

وربته على كل حلال
فلم يغش الخنا والحُرمات

وقد وافى طباق الأرض علماً
ونشرُ العلم خيرُ القربات

فقد حفظ القراْن بسن عشر
ومليوني حديثٍ بالرواة

كذاك (الشافعي) له نصيبٌ
من الفقه ، ومِن شعر الأباة

ومالكُ هكذا ربته أمٌ
تعلم ، وتربي ، وتواتي

تجوعُ ليشبع الأولاد دهراً
وعنهم تتلقى النكبات

غدير القلب لا تغررْك بلها
تخالك في قطيع الشاردات

تظنك في طريق الناس صخراً
يعوق حضارة المتقدمات

فقولي يا (عنود) ، كفاك زهواً
دعي غمز العيون الناعسات

حضارتكم دمارٌ وانحلالٌ
سلي عنها قطيعَ الطائشات

صدقتِ أيا غدير ، رزقتِ تقوى
وكنتِ بذاك خير الداعيات

إذا صادفتِ من حمقا هراءً
طعنتِ الزيفَ هذا طعنات

إذا افتخرت (جواهرُ) بالأغاني
وطاب لها نباحُ المطربات

وأسعدها رقيعٌ بصداهُ
وأمتعها سُعارُ الراقصات

وأشجتها الفنون ومَن تردوا
فقومي ، واصدعي بالنازعات

أحاديث البشير لديكِ كثرٌ
فخل الآن صمت الصامتات

فلا تتجاهلي ، فعليك وزرٌ
دعينا من عزيف الجاهلات

وقولي الحق مهما كان مُراً
فقولي: الحق مفتاحُ النجاة

قوافلُ أهل هذا الحق تمضي
حذار يا غدير من الفوات

ألا فلتلحقي بالركب حالاً
وخلي عنك جذب الشهوات

هبينا ما اتبعنا واهتدينا
ولا كانت لنا من خطوات

ولم نرفعْ بهذا الهَدي رأساً
ولمّا نلتمسْ من بركات

ولم نعملْ لمنفعة البرايا
ولم نجهَدْ لرفع الدرجات

ولم نطرحْ هوى الأنفس أرضاً
ولم نرْدِ الجوى والصرخات

ولم نحملْ لواء الخير حباً
ولم نحْم العُرى والعزمات

ولم نحزنْ لمن نال قرانا
ولم نسع لمحو الأزمات

ولم نأسفْ لأصحاب أسارى
ولم نذرفْ سخيَ العَبرات

فمن يأسى لجرح الحق؟ قولي
ومن يردي أباطيل الطغاة؟

ومن يخزي الأعادي في قرانا؟
ومن يمحو ألاعيب الغزاة؟

ومن يحمي ثغور الخير؟ قولي
ومن يسعى لنيل الحسنات؟

ومن يرثي لدحر النور فينا؟
ومن يبكي لتهويد الفلاة؟

ومن يسمو بهذا الدين؟ قولي
ومن يلقي أريج الكلمات؟

ومن يهدي الأنام إلى المعالي؟
ويعليهم بخير الدعوات؟

ألا قولي غدير ، وصارحيني
أيهزم حقنا بالترّهات؟

كثيراً ما سألت ، ولم تجيبي
وقلبي مفعمٌ بالخلجات

متى انتصرتْ على الحق الأحاجي؟
متى انتصرت أباطيل الحُواة؟

وإن هاجتك (عفرا) بازدراءٍ
ونكر صوتها قيلُ الخواة

وأزكى قلبها مَن ضيعوها
وأضرم نارها دعرُ العصاة

وأشقاها التسلح بالمخازي
فإن لديك أياً بينات

غدير ، ومن أناجي كغدير
عليكِ بالفروض الواجبات

لقد أوصيتُ ، لم أبخل بنصح
وأنتِ اليوم في الغيد الثقات

صدقتك ، فاصدقيني ، يا فتاتي
وإن الله مولى الصادقات

إليكِ تحيتي وعبير قلبي
أزف إليك أنقى الأمنيات

بأن نلقاك في دنيا البرايا
غديراً ماؤه مثلُ الفرات

وأن نلقاك أختاً لا تبالي
تشد العزم عزم المخلصات

وأن نلقاك أماً لرجال
كرام خلف خير الوالدات

وحصناً زادَه التوحيد ذخراً
به اعتصمتْ جميعُ المُخبتات

وكهفاً من أعادى الله صلباً
ومأوى العائدات التائبات

وأسألك الدعاء لنا احتساباً
بظهر الغيب ، من بعد الصلاة

وصلى الله خالقنا على مَن
هدانا لإلهِ الكائنات

© 2024 - موقع الشعر