رسالة عزاء رقيقة إليك يا عدنان - أحمد علي سليمان

نورٌ تحدر من سنا التبيانِ
وله احمرارُ الورد كالمَرجانِ؟

أم يا ترى دُررٌ حوتها أسطرٌ
فاحت كمثل أزاهر البستان؟

أم واحة خضراءُ ، طاب جمالها
وسْط القفار ، على شفا الكثبان؟

أم يا ترى عقلية جُمعتْ لها
زبَد العلوم بكفتي ميزان؟

أقريحة صهر النبوغ بريقها
فتعاظمت في الكون كالإيوان؟

أيراعة من كل فن ترتوي
لفحَ المِداد عطاءها بتفان؟

أشبيبة تحيا بسابع عقدها
فاقت شباباً مُعظم الأقران؟

أحديقة للفكر دفّ أريجُها
بين المُروج على صدى التحنان؟

أم شاعر جمع الخيالَ بكفه
واختار ما يهوى من الأوزان؟

أم عبقريٌ مُلهمٌ مُتفقهٌ
مُستبصرٌ في عالم العُميان؟

هو كل ذلك ، والذي رفع السما
بل ، ذاك شيء من جنى عدنان

عدنانُ حُبك في الفؤاد ، وربنا
فله أريج الفل والريحان

ليثٌ يصول ، وغيرُهُ مُتفرجٌ
بطلٌ يُعيد كرامة الإنسان

ويريده عبداً لديّان الورى
ويثورُ رغم تعاضد الكفران

ويحرّر الأذهان من هفواتها
ويحارب التضليل بالإيمان

ويحرّر الشعر الأصيل من الخنا
ومِن ادعاء المُفلس الولهان

ويحرّر الأدب الرفيع من الهوى
ويحرّر الشعَرا مِن البهتان

ويجاهد الأدب الرقيع بسيفه
وبه يصارع جوقة القباني

هو حاملٌ هم الحنيفة عمره
وكذاك يبكي ضيعة الإحسان

وجراحه شتى ، جهيرٌ نزفها
وتراه مُلتاعاً مِن الأحزان

يبكي الحنيفة كيف شُرّد أهلها
مازال منتحباً على الأوطان

يبكي على الأقصى السليب وأهله
ورباطهم في مَهبط الأديان

لا يطفئ النار الرماد حقيقة
من خان وحي الله جد أناني

هي أرض إسراء الحبيب ، وذكرها
في أول (الإسراء) في القرآن

هي غادة يا (عدنُ) ، أنت خطيبها
فتحية يا أجمل العرسان

والفارس النحوي فوق هضابها
مِن عِلية الأفذاذ والأعيان

وموجّهٌ درس العلوم جميعها
أكرمْ به من عالم رباني

آلام أمته غزت تفكيره
ما اسطاع للآناتِ مِن كِتمان

فرضت على (النحوي) أن يحيا بها
أمرٌ يُشيّب يانع الولدان

عدنان صدقك في الكتابة طابعٌ
متأصلٌ متميزُ التبيان

كل الذي كتبت يمينك صادقٌ
والعلمُ عند الواحد الديان

شخصتَ حالة أمةٍ منكوبةٍ
بيراعةٍ ملئتْ بدمع قان

وفجَرْتَ آفاقاً لكل مُفكر
وأبنت دين الواحد الرحمن

ووقفت في صفّ الجهاد مذكراً
بالمِرقم السيّال بوح معاني

ورثيت (أقصى) المؤمنين بحسرةٍ
مُزجتْ بكل الحب والتحنان

وفضحت بالأشعار عِلمانية
ورَجمتَ كل مُضلل دُهقان

وكذا كشفت الجاهلية طالما
وعوارَ زخرفها البغيض الشان

وطعنت بالقلم النزيه ذئابها
في العيد قد ضحيتَ بالثيران

ونقشتَ في سمع الزمان حقيقة
هو أن بأس الحق ليس بفان

وتدفق النورُ الطهور على الثرى
في (موكب النور) الوشيك الداني

رغم الجراح مضى على درب الهُدى
لازلتُ أرقبُ عِفة العِرفان

وهنالك (الأرض المباركة) انتشتْ
طرباً بمَقدم جيلها الريان

مِن كل شبل ، والصخورُ سلاحُه
ليَذود عن دين وعن نسوان

ويذودَ عن أرض تُباع رخيصة
ويبوءُ بائعُها بكل هوان

عدنانُ هذا الشعرُ بعض مَعينكم
لازال يُشرق في صدى الأزمان

أحببتُ فيك صراحة وعذوبة
وأمانة ، هي في الدنا سلواني

في عالم فقد الأمانة والوفا
ومضى يُكرَم جوقة الشيطان

مِن كل مَن كتب الهُراء يخاله
حقاً رفيعاً غاليَ الأثمان

ومُتاجر بالآي في مِحرابه
وله اندفاعٌ للحميم الآن

ومُشوّهٍ عِلم الأوائل مَن مَضوْا
ويَجول في سر ، وفي إعلان

عدنانُ أنت مبرءٌ مِن زيفهم
وأراكَ نوراً شعّ في الأذهان

وبرغم أمراض تريدك مقعداً
لازلت تعطي الساح دون تواني

للهم فاشف العبدَ من أسقامه
واجعله ليس بموجع عيّان

مرضٌ على مرضٍ يُمزق مُهجة
وسريرة في غالب الأحيان

لا يطفئ النار الرماد ، فلا تخفْ
فيم التفكر في أسى الحرمان؟

هوّنْ عليك ، سينصر الله الهُدى
أنسيتَ يوم قد التقى الجمعان

جمعٌ على رب السما متوكلٌ
وتراه ليس يميلُ للعُدوان

لكنْ يقاتل في المليك وشرعهِ
ويصدّ كل مُضلل خوان

كيلا تكون بأرض ربك فتنة
ويكون فيها الدينُ للديان

يرجو رضا القيوم ثم رسولِهِ
ويريد خيراً يُجتنى بجنان

وعلى النقيض هناك جمْعٌ مشركٌ
قد باء بالتقتيل والخسران

صف الجنودَ ، يريد دحر حنيفةٍ
يهتاج ، والأقوامُ في رمضان

جمعَ الكتائب والجحافل عامداً
وتقاربا ، فتلاحم الخصمان

وإذا بنصر الله ينزل عاجلاً
وأتى الأمين كذاك بالقربان

ألفٌ مِن المَلك المَلائك أنزلوا
ضربوا من الكفار كل بنان

والألف أصبح خمسة في بدرنا
والنصر نصر القادر المنان

يا ربّ نصراً نستعزّ ببأسه
مثلَ الذي في غزوة الفرقان

عدنان إن الله مُنجز وعدِهِ
والشرط ما بالشرط مِن نقصان

والشرط إخلاصُ العبادة كلها
وكذاك نفيُ الشرك والأوثان

إنْ ننصر اللهَ العظيم سننتصرْ
ويعودُ كل العز والسلطان

وإذا تقاعسنا فلن تلقى لنا
عزاً يُبدد لعنة العِصيان

عدنان شِعرُك نابضٌ بإبائه
يُهدي المشاعر عاطرَ الألحان

وملاحمٌ سبعٌ تُعير دماءها
قوماً تردّوْا في أسى الخذلان

هي مضربُ الأمثال في تصويرها
وعيونُ شعر فائق التبيان

يا أيها المجروحُ في إيحائه
رفقاً بقلبكَ ، أنت ذو رُجْحان

وأراك في الفكر انطلقتَ مناظراً
وتواجهُ الأقوامَ بالبرهان

وهنالك التوحيدُ قد فصلته
وأبنت للدنيا عُرَى الأركان

وكلامكم متأيدٌ بأدلةٍ
إنْ في القراْن وسُنة العدنان

وكذا فلسطين الحزينة صغتها
في الشعر ملحمة تبيد الجاني

(عدنانُ هذا (مهرجان قصيدكم
بين الأنامل حالمُ الأجفان

حتّام أصدقك الحديث ، حبيبنا
فالشعرُ في ذا المِهرجان سباني

دُررٌ أتتني في البريد ندية
بالمِثل ردي ليس بالإمكان

لا يطفئُ النار الرماد ، وإنني
بالله أهوى شِعرَك المُتفاني

دُررٌ أتتني بعد طول ترقب
فلقيتها بالمَدمع الهَتان

شوقاً إليها ، ليس حباً في الجوى
إذ إن قلبي مُترعُ الغليان

فطفقتُ أحمدُ ربنا بضراعةٍ
وكأن روحي في بهي مغاني

أأبا (إيادٍ) إن شبلك لم يمتْ
في جنة المأوى فتى الفتيان

إن شاء ربك في الجنان لقاؤهُ
إذ لا يزال - اليوم - في الميدان

ف (إيادُ) كلُ موحدٍ مُستعصم
بالحق ، رغم ترهُل القطعان

هو كل طفل في يديه حجارة
هو كل شهم مُمْسكٍ بسنان

هو كل مَن يسعى لنيل شهادةٍ
برُبا الجهاد وعاطر الوُديان

هو كل مُرتقب لنصرة حقهِ
رغم الخطوب ، ورغم كل دُخان

هو كل قلب مخلصٍ متدفق
بالحب والتوحيد غير مدان

وإيادُ كل طليعةٍ لا ترعوي
للباطل الممقوت والتيجان

وإيادُ في كشمير يزرع فجره
وله هناك قصائدٌ وأغان

وإيادُ في الشيشان سيفُ عدالةٍ
يجتثّ كل مُشككٍ طعان

وإيادُ في القدس الأسيرة فارسٌ
يغشى الوغى مِن أشجع الفرسان

وإيادُ في الصومال يبني مجدهُ
وكذا إيادُ الخير في السودان

وإيادُ في وهرانَ وثابُ الخطا
بين الشعاب ووهدة القِيعان

وإيادُ نهرُ النيل يرقب زحفه
والجو يخنقه دجى الأشجان

وإيادُ في الهند اليتيمة باذل
صدقاته للمسلم الجوعان

وإياد في بورما ضميرٌ صادقٌ
بالفأس يهدم قبلة الثعبان

وإيادُ في لبنانَ يدفع مَهرها
يُردي اليهود وجوقة الذؤبان

وإيادُ في كابول يحمي مجدها
ويردّ مَكرَ السوء والغِربان

وإيادُ في مِحراب إبراهيم ك
لُ مُجندل ، في مفرق الشنآن

وإياد في مُوستار فيمن جاهدوا
كالدُوح في مُتشابك الأغصان

وإيادُ قلقيليا تعطرُ قبرهُ
في (العُود) بالعُود الندي الحاني

وإيادُ في البلقان ليث حاربٌ
نصْر الحنيفة ، ثم قبْر الجاني

ف (إياد) ملحمة الجهاد وشعرهُ
تزْكي القريض بصفحة الديوان

أعطى الوديعة روحه لمليكهِ
والأرضُ تأكل ضفوة الأبدان

أأبا إيادٍ فاحتسبه ، ولا تكن
فيما احتسبت اليوم بالندمان

وأراك أهلاً للبلاء وآية
في الصبر والتصبير والشكران

لمّا قرأتُ رثاءكم أكبرتكم
وحزنتُ حزناً لم تصغه معان

وعذرتكم ، إن المصاب لمُفجع
وأراك فوق الموت والأحزان

بعد الثلاثة لا عزا ، لكنني
متأثرٌ بقصيدك الهتان

وإيادُ أكبرُ مِن قصيدٍ لاعج
متضمخ بالدمع والسلوان

ولذا فإن قصيدتي فيه العزا
هي دوحة ممتدة الأفنان

فاقبل عزائي في مصابك ، صاحبي
حتى ولو قد كان بعد أوان

تُرثيه بالأبيات؟ كلا ، لم يمتْ
فإياد عند الراحم الرحمن

تُرثيه في بائية بالمهرجا
نِ حزينة الخلجات والأوزان

وتركتَ - عن عمدٍ - إيادَ ، وذبت في
مرثيةٍ أخرى بغير صيان

كشفت رزايا أمةٍ مطعونةٍ
جرحان في بائية وعوان

جرحُ الإياد ، وثم جرحُ ديارنا
وبكيت أهل الخير والإيمان

لا يطفىء النار الرماد ، أقولها
وقصائد النحوي طيفُ حِسان

رجّعْ قريضك في الفؤاد ورَوّهِ
فالشعرُ يوقظ غافل الأذهان

يا للجمال بشعر مَن بلغ الذرى
وتراه فوق الشعر كالربان

يختار ما يرضاه مِن ألفاظه
والشعر بين يديه كالحيران

يا (عدنُ) شعرُك صنعة وسجية
أبداً على متن الحياة يُعاني

وكذاك نثرُك رغم حزنك باسمٌ
يرجو اندحار مَكائد الطغيان

إنْ في (لقاء المؤمنين) ، وغيره
الجهبذ النحويُ شوقٌ حان

وتراه عن أدب العقيدة ذائداً
بُوركت يا مَن للفضائل بان

وممزقاً عُهر الحداثة شامخاً
ومُحرقَ التزييف بالنيران

ومفنداً شُبَهَ الخنا وشِباكه
ومُبدداً تعويذة الكُهان

ومحطم المستشرقين جميعهم
ومدمر الأحبار والرهبان

مَن يعقرون كتابنا ونبينا
ومكسّر القنوات والصلبان

ومبيد كل ضلالةٍ وخرافةٍ
مِن عالم الأحياء بالقرآن

وموجهاً للصحوة الكبرى ، له
كتبٌ تُحذرُها من الذوبان

يأسى عليها ، ثم يرسم دربها
حتى يُجنبها لظى الطوفان

ويعود يرسم خطة دعوية
ملئتْ بفيض نبوغه الفينان

وهناك في (النهج المبين) هداية
ذخرتْ بكل بلاغةٍ وبيان

وكتابُه (الشورى) عُصارة فكره
لمعتْ كبارق حمْرة العقيان

وحوافز – يا صاح - إيمانية
لمن اتقى ، ولمن سعى بأمان

وكذاك في (المنهاج) أفصح جاهراً
بالحق ، بورك مِن فتىً مِعوان

وتراهُ في (الأضواء) شيخاً ناصحاً
وبرغم أن الصوت كالشبان

عدنان تلك قصيدتي لك صغتها
في بحر حب ما له شطآن

لا يطفئُ النار الرماد حبيبنا
أبشرْ بنصر القاهر المنان

صَفدٌ غداً تمضي ، ويفنى قومُها
والشاعر النحوي ليس بفان

أهلُ العلوم وإن تمتْ أجسامهم
فالذكر منطبعٌ مدى الأزمان

هذا القصيد هدية يا والدي
يُزْكي المحبة في الإخا اليقظان

يا ليت شعري ، إن جُل حديثها
أملٌ يداعبُ مهجتي وجناني

أن ينصرَ المَولى القدير غثاءنا
ويمُن رب الناس بالغفران

© 2024 - موقع الشعر